القرآن أنه فعل مع الرأة ما يتوب منه، أو يستغفر منه أصلًا، وقد اتفق الناس على أنه لم تقع منه الفاحشة، ولكن بعض الناس يذكر أنه وقع منه بعض مقدماتها، مثل ما يقولون أنه حل السراويل وقعد منها مقعد الخاتن ونحو هذا، وما ينقلونه في ذلك ليس هو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا مستندَ لهم فيه إلا النقلُ عن بعض أهل الكتاب، وقد عرف كلام اليهود في الأنبياء وغضهم منهم كما قالوا في سليمان ما قالوا، وفي داود ما قالوا، فلو لم يكن معنا ما يرد نقلهم لم نصدقهم فيما لم نعلم صدقهم فيه، فكيف نصدقهم فيما قد دل القرآن على خلافه؟ !
والقرآن قد أخبر عن يوسف من الاستعصام والتقوى والصبر في هذه القضية ما لم يذكر عن أحد نظيره، فلو كان يوسف قد أذنب لكان إما مصرًّا وإما تائبًا، والإصرار ممتنع، فتعين أن يكون تائبًا، والله لم يذكر عنه توبة في هذا ولا استغفارًا كما ذكر عن غيره من الأنبياء، فدلك ذلك على أن ما فعله يوسف كان من الحسنات المبرورة، والمساعي المشكورة، كما أخبر الله عنه بقوله تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}(١).
الدليل السادس: أن الزنا من منكرات الكبائر، والخيانة في معرض الأمانة أيضًا من منكرات الذنوب، وأيضًا مقابلة الإحسان العظيم بالإساءة الموجبة للفضيحة التامة والعار الشديد أيضًا من منكرات الذنوب، وأيضا الصبي إذا تربى في حضن إنسان وبقي مكفيَ المؤنة مصون العرض من أول صباه إلى زمان شبابه وكمال قوته - فإقدام هذا الصبي على إيصال أقبح أنواع الإساءة إلى ذلك المنعم المعظم من منكرات الأعمال، إذا ثبت هذا فنقول: إن هذه المعصية التي نسبوها إلى يوسف - عليه السلام - كانت موصوفة بجميع هذه الجهات الأربع، ومثل هذه المعصية لو نسبت إلى أفسق خلق الله تعالى وأبعدهم عن كل خير
(١) مجموع فتاوى ابن تيمية (١٥/ ١٤٧: ١٤٩) بتصرف، تفسير الرازي (١٨/ ١١٦).