إذا سلمنا برواية التوراة أنه ليس (عفيفًا) والمرأة على حق في دعواها؛ لأن يوسف لا يخلع ثوبه هكذا سليمًا إلا إذا كان هو الراغب وهي الآتية، ولا يقال: إن المرأة هي التي أخلعته ثوبه لأن يوسف رجل وهي امرأة، فكيف تتغلب عليه وتخلع ثوبه بكل سهولة؟ ثم لما يمتنع تحتفظ هي بالثوب كدليل ماديٍّ على جنايته المشينة؟ ! وهل خرج يوسف (عريانًا) وترك ثوبه لدى غريمته .. .؟ !
والخلاصة: أن رواية التوراة فيها إدانة صريحة ليوسف - عليه السلام - وهذا ينافي مع العفة التي وافقت فيها القرآن الأمين.
أما رواية القرآن فهي إدانة صريحة لامرأة العزيز، وبراءة كاملة ليوسف - عليه السلام -.
لقد دعته المرأة إلى نفسها ففر منها، فأدركته وأمسكته من الخلف بفعل المرأة، والثانية إلى الأمام بحركة يوسف فانقطع ثوبه من الخلف، وهذا يتفق تمامًا مع العفة المشهود بها ليوسف في المصدرين ولهذا قلنا: إن القرآن صحح هذا الخطأ الوارد في التوراة.
فهل القرآن مقتبس من التوراة؟
وهل تنطبق على القرآن أسس الاقتباس أم هو ذو سلطان خاص به فيما يقول ويقرر؟ المقتبس لا بد من أن ينقل الفكرة كلها أو بعضها، وها نحن قد رأينا القرآن يتجاوز هذه الأسس؛ فيأتي بجديد لم يذكر فيما سواه، ولم يذكر فيما زعموا أنه نقل منه، ويصحح خطأً وقع فيه ما سواه.
فليس الاختلاف فيها اختلاف حبكٍ وصياغة، وإنما هو اختلاف يشمل الأصول والفروع، هذا بالإضافة إلى إحكام البناء وعفة الألفاظ وشرف المعاني.
إن الذي روته التوراة هنا لا يصلح ولن يصلح أن يكون أساسًا للذي ذكره القرآن، وإنما أساس القرآن هو الوحي الصادق الأمين، ذلك هو مصدر القرآن "الوضيء" وسيظل ذلك هو مصدره، تتساقط بين يديه دعاوى الباطل ومفتريات المفترين في كل عصر ومصر (١).