للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما القضاء والحكم القدري الكوني فإنه ثلاثة أنواع:

القسم الأول: الحكم الكوني الذي لا قدرة للإنسان فيه لا على أخذ الأسباب أو دفعها؛ مثل كونه ولد بصفة معينة، أو في زمن معين، أو لأبوين معينين، ومثل كونه ذكرًا أو أنثى، ومثل موت بعض أحبابه وأقاربه، ومثل مرضه مرضًا لا يعرف له دواء ولا يرجى منه شفاء، فهذا قدر لا بد فيه من التسليم المحض، وعدم المنازعة وعدم الفرار منه؛ إذ لا سبيل إلى ذلك، وترك التسليم ووجود المنازعة إنما هو السخط والشك، والاعتراض على الربوبية، وجرأة الإقدام، ووقاحة الاقتراح بأنه كان ينبغي غير ما كان والعياذ بالله.

القسم الثاني: الحكم الكوني الذي جعل الله للعباد على أخذ الأسباب أو دفعها قدرة وإرادة وكسبًا، وكونه - عز وجل - جعل لهم قدرة وإرادة تتعلق بالأسباب تكسبًا:

لا ينافي أنه إنما يوجبه حكمه الكوني، فليست إرادة العباد موجبة وقدرتهم في الحقيقة أثرهم؛ إنما هو من آثار قدرة الله - عز وجل - فهو الذي شاء أن يشاؤا، وهو الذي أقدرهم؛ فهذا النوع من الحكم القدري يشرع فيه وجوبًا واستحبابًا أخذ الأسباب المباحة والمشروعة. فمن ابتلاه الله بقدر من الجوع دفعه بقدر من الأكل، ومن ابتلاه الله بقدر من العطش فرَّ منه إلى قدر من الشرب، ومن أصابه قدر من المرض نازعه بقدر من التداوي؛ مصداق ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لما سئل عن الأدوية التي يتداوون بها ترد من قدر الله شيئًا فقال: "هي من قدر الله") (١).

ومن ذلك قول عمر لأبي عبيدة: (أتفرُّ من قدر الله؟ ! قال: نعم، أفر من قدر الله إلى قدر الله) (٢).


(١) ضعيف. أخرجه الترمذي (٢١٤٨، ٢٠٦٥)، وابن ماجه (٣٤٣٧)، أحمد (١٥٠٤٦)، وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي (٣٥٩) وضعيف ابن ماجه (٣٤٣٧) وحسنه الألباني في مشكلة الفقر (١١) بلفظ: يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال: "هي من قدر الله". أما اللفظ المذكور فضعيف.
(٢) أخرجه البخاري (٥٣٩٧)، مسلم (٢٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>