ولا تؤتي نتيجتها فقد نسي الرجل الساقي أن يذكر أمر يوسف للملك، فما كان من يوسف إلا التسليم والرضا بقضاء الله، فإن الأسباب ليست موجبة لنتائجها، فلا يحزن العبد ولا يغتم ولا يهتم، فقد جعل الله الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط، فلا بد من التسليم والتفويض والتوكل على الله والثقة به سبحانه وتعالى.
أطلنا الكلام على هذه المسألة المهمة؛ لأن البعض قد فسر الآية الكريمة على أن يوسف - عليه السلام - لطلبه من الذي علم أنه ناجٍ من صاحبيه في السجن أن يذكره عند ربه، وأنه لو لم يفعل لما لبث في السجن ما لبث، ويجعل ذلك حجة في ترك الأسباب زاعمًا أنها منافية للتسليم والرضا بالقدر، ومعلوم أن هدي الأنبياء جميعًا وسنتهم الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، فإن جاء ما يعجز العبد وما لا قدرة له عليه وغلبه أمرٌ قال: قدر الله وما شاء فعل، وسلم الأمر لله وقضائه، فأخذ الأسباب ابتغاء الفرج من عند الله.
ولو وقع إنسان في بئر مثلًا وكان يستطيع أن ينادي مَنْ بالطريق بجوار البئر ليخرجه لزمه ذلك كما يلزمه إمساك الحبل لمن ألقاه إليه؛ خلافًا للمنقول عن بعض المتقدمين مِنْ تركه النداء أرسل الله إليه من ألقى إليه الحبل، فهل كان ترك النداء توكلًا والإمساك بالحبل نقصًا في التوكل؟ !
فالمسألة واحدة في الأمرين؛ كلاهما سبب.
إذن فطلب الشفاعة في الحق أمر مشروع لا ينافي كمال التوكل مع ثقة القلب به وكمال توكله عليه، وهذا هو الظن الواجب بيوسف - عليه السلام -. (١)
واحتياج الإنسان للواسطة في قضاء حاجته أو رفع الظلم عنه عادة قديمة، وقي الغالب لا يكون إلا إذا كانت الحكومات ظالمة مستبدة لا يعمل فيها بموجب الشرائع والأنظمة؛ ولكن بالرأي الفردي وبحسب الشهوة، وهذه الحالة السيئة كما كانت في تلك الحكومات المصرية الهكسوسية، فهي سائدة في جميع الأمم بنسب تتفاوت تبعًا للتربية والأخلاق.
(١) تأملات إيمانية في سورة يوسف - عليه السلام - (١٢٥: ١٢٢).