للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى؛ لِأَنَّ الرَّبّ هُوَ الْمَالِك وَالْقَائِم بِالشَّيْءِ فَلَا تُوجَدُ حَقِيقَةُ ذَلِكَ إِلَّا للهِ تَعَالَى.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: سَبَب الْمَنْع أَنَّ الْإِنْسَان مَرْبُوبٌ مُتَعَبِّدٌ بِإِخْلَاصِ التَّوْحِيد للهِ وَتَرْك الْإِشْرَاك مَعَهُ، فَكَرِهَ لَهُ الْمُضَاهَاة فِي الِاسْم لِئَلَّا يَدْخُل فِي مَعْنَى الشِّرْك، وَلَا فَرْق فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحُرّ وَالْعَبْد، فَأَمَّا مَا لَا تَعَبُّد عَلَيْهِ مِنْ سَائِر الْحَيَوَانَات وَالْجَمَادَات فَلَا يُكْرَهُ إِطْلَاق ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْد الْإِضَافَة، كَقَوْلِهِ: رَبّ الدَّار وَرَبّ الثَّوْب. وَقَالَ اِبْن بَطَّال: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَال لِأَحَدٍ غَيْر الله: رَبّ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَال لَهُ: إِلَهُ، وَالَّذِي يَخْتَصُّ بِالله تَعَالَى إِطْلَاق الرَّبّ بِلَا إِضَافَةٍ، أَمَّا مَعَ الْإِضَافَة فَيَجُوزُ إِطْلَاقُهُ؛ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَنْ يُوسُف - عليه السلام -: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}، وَقَوْله: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}، وَقَوْله - صلى الله عليه وسلم - فِي أَشْرَاط السَّاعَة: "أَنْ تَلِدَ الْأَمَة رَبَّهَا" (١)، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْي فِي ذَلِكَ مَحْمُول عَلَى الْإِطْلَاق، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ فَلِبَيَانِ الْجَوَاز.

وَقِيلَ: هُوَ مَخْصُوص بِغَيْرِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا يَرُدّ مَا فِي الْقُرْآن، أَوْ الْمُرَاد النَّهْي عَنْ الْإِكْثَار مِنْ ذَلِكَ وَاتِّخَاذ اِسْتِعْمَال هَذِهِ اللَّفْظَة عَادَة، وَلَيْسَ الْمُرَاد النَّهْي عَنْ ذِكْرهَا فِي الْجُمْلَة.

قَوْله: "وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي مَوْلَايَ" فِيهِ جَوَاز إِطْلَاق الْعَبْد عَلَى مَالِكه سَيِّدِي.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا فَرَّقَ بَيْن الرَّبّ وَالسَّيِّد؛ لِأَنَّ الرَّبَّ مِنْ أَسْمَاء الله تَعَالَى اِتِّفَاقًا، وَاخْتُلِفَ فِي السَّيِّد، وَلَمْ يُرِد فِي الْقُرْآن أَنَّهُ مِنْ أَسْمَاء الله تَعَالَى. فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاء الله تَعَالَى فَالْفَرْقُ وَاضِحٌ إِذْ لَا اِلْتِبَاس، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ فَلَيْسَ فِي الشُّهْرَة وَالِاسْتِعْمَال كَلَفْظِ الرَّبّ فَيَحْصُلُ الْفَرْق بِذَلِكَ أَيْضًا، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَد، وَالْمُصَنِّفُ فِي (الْأَدَب الْمُفْرَد) مِنْ حَدِيث عَبْد الله بْن الشِّخِّير - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "السَّيِّدُ الله" (٢).

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا أَطْلَقَهُ لِأَنَّ مَرْجِعَ السِّيَادَة إِلَى مَعْنَى الرِّيَاسَة عَلَى مَنْ تَحْت يَده، وَالسِّيَاسَة لَهُ وَحُسْنُ التَّدْبِير لِأَمْرِهِ؛ وَلذَلِكَ سُمِّيَ الزَّوْج سَيِّدًا، قَالَ: وَأَمَّا الْمَوْلَى فَكَثِير


(١) أخرجه مسلم (٥).
(٢) أخرجه أحمد في مسنده (٤/ ٢٥) من طريق قتادة، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (٢١١)، وأبو داود في سننه (٤٨٠٦) من طريق أبي نضرة؛ كلاهما (قتادة وأبو نضرة) عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه به. والحديث صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>