للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّصَرُّف فِي الْوُجُوهُ الْمُخْتَلِفَة مِنْ وَلِيّ وَنَاصِر وَغَيْر ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا يُقَالُ: السَّيِّد وَلَا الْمَوْلَى عَلَى الْإِطْلَاق مِنْ غَيْر إِضَافَة إِلَّا فِي صِفَة الله تَعَالَى.

وَفِي الْحَدِيث جَوَاز إِطْلَاق مَوْلَايَ أَيْضًا، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم، وَالنَّسَائِيّ، مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش، عَنْ أَبِي صَالِح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي هَذَا الْحَدِيث نَحْوه وَزَادَ: "وَلَا يَقُلْ أَحَدكُمْ: مَوْلَايَ فَإِنَّ مَوْلَاكُمْ الله، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: سَيِّدِي"، فَقَدْ بَيَّنَ مُسْلِم الِاخْتِلَاف فِي ذَلِكَ عَلَى الْأَعْمَش، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَة، وَمِنْهُمْ مَنْ حَذَفَهَا، وَقَالَ عِيَاض: حَذْفُهَا أَصَحُّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْمَشْهُور حَذْفُهَا، قَالَ: وَإِنَّمَا صِرْنَا إِلَى التَّرْجِيح لِلتَّعَارُضِ مَعَ تَعَذُّرِ الْجَمْع وَعَدَم الْعِلْم بِالتَّارِيخِ. وَمُقْتَضَى ظَاهِر هَذِهِ الزِّيَادَة أَنَّ إِطْلَاق السَّيِّد أَسْهَلُ مِنْ إِطْلَاق الْمَوْلَى، وَهُوَ خِلَاف الْمُتَعَارَف، فَإِنَّ الْمَوْلَى يُطْلَقُ عَلَى أَوْجُهٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْهَا الْأَسْفَل وَالْأَعْلَى، وَالسَّيِّد لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى الْأَعْلَى، فَكَانَ إِطْلَاق الْمَوْلَى أَسْهَلَ وَأَقْرَب إِلَى عَدَم الْكَرَاهَة، وَالله أَعْلَم.

وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلَفْظِ الْمَوْلَى إِثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا؛ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيّ، وَالْمُصَنِّف فِي "الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ" بِلَفْظِ: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَلَا أَمَتِي، وَلَا يَقُلْ الْمَمْلُوك: رَبِّي وَرَبَّتِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ الْمَالِك: فَتَايَ وَفَتَاتِي، وَالْمَمْلُوك: سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي؛ فَإِنَّكُمْ الْمَمْلُوكُونَ وَالرَّبُّ الله تَعَالَى" (١).

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَاد النَّهْي عَنْ الْإِطْلَاق كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَام الْخَطَّابِيّ، وَيُؤَيِّدُ كَلَامه حَدِيثُ اِبْن الشِّخِّير الْمَذْكُور، وَالله أَعْلَم. وَعَنْ مَالِك تَخْصِيص الْكَرَاهَة بالنِّدَاءِ فَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ: يَا سَيِّدِي، وَلَا يُكْرَهُ فِي غَيْر النِّدَاء (٢).

* * * *


(١) أخرجه أحمد في مسنده ٢/ ٤٢٣، والبخاري في الأدب المفرد (٢١٠)، والنسائي في الكبرى (١٠٠٧٢)، وأبو داود في سننه (٤٩٧٥) من طريق مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة به. والحديث صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (١٥٤).
(٢) فتح الباري ٥/ ٢١٣: ٢١٢، وانظر شرح صحيح مسلم للنووي ٨/ ١٠: ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>