وأيسروا نسوا من كان يألفهم في المنزل الخشن، ونرى كثيرًا من أهل الأمراض متى صحوا وشفوا ينسون طبيبهم، كما نرى متعلمين متى تعلموا وأخذوا الشهادات نسوا أساتذتهم إلى آخر ما هنالك من الضروب والأشكال، وقد قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧)} [العلق: ٦، ٧]، وقال تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧)} [عبس: ١٧]، ثم إني لا أنسى من الأسباب الأساسية لنسيان الساقي ذكر (يوسف) للملك معاطاته شرب الخمر، فإن شربه كما يعمل تأثيرًا سيئًا في الأخلاق، والصحة، والإجرام، وفي المال، وفي قوة الإنتاج؛ فكذلك يسبب ضعف الذاكرة عند الإنسان، وكم ظهرت للعقلاء هذه المضار؟ وكم هالهم أن تكون المسكرات سببًا لإصابات الجنون؟
وهذا، وإن (الفاء) في قوله: {فَأَنْسَاهُ} ليست تفريعية، بمعنى: أن الإنساء كان نتيجة عن كون يوسف استعان بغير الله في كشف ما كان فيه، بل هي عاطفية خلافًا للمفسرين، إذن المعنى على ما نفهم أنه حصل: أن يوسف قال كذا وكذا، ثم فورًا حصل أن الساقي نسي ما تكلم به معه، هذا هو المعنى اللائق بمقام يوسف - عليه السلام -، والمناسب للواقع لا أقل ولا أكثر، فكن لما ذكرناه من الحافظين، وإياك من أن تعرج ههنا على كلام المفسرين (١).