مريضًا لكنه لا يدري، لأن أعراض المرض ليست من الوضوح، أو لأنه في اندماجه في حياته اليومية بحيث لا ينتبه لحالته الصحية الحقيقية.
وبالمثل قد يقول الواحد منا (صادقًا فيما يظن) إنه وجد فلانًا يضرب ابنه عند البيت، بينما الحقيقة أنه كان يداعبه، أو كان يضرب ابن الجيران مثلًا لكن المتكلم توهم الأمر على ما قال.
وقديمًا قال المتنبي الشاعر:
ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مرًا به الماء الزلالا
فهذا يعني أن الإنسان قد يجد الشيء على وضع ولا يعني هذا أنه على هذا الوضع في الحقيقة والواقع.
وفي قوله تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: ٧٧].
وليس هناك في الدنيا جدار يريد لأنه من الجمادات، وأيضًا فإن المفسرين قد قالوا إن الآية لو قالت: إن الشمس كانت تغرب في العين فعلًا لكان ثم سبيلًا لانتقادها، أما قولها إن {ذَا الْقَرْنَيْنِ} وجدها تغرب في العين فمعناه: أن ذلك هو إدراكه للأمر لا حقيقته الخارجية.
ولقد صرح البيضاوي بذلك حيث قال: ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء، ولذا قال: وجدها تغرب، ولم يقل: كانت تغرب (١).
وهذا الذي صرح به المفسرون هو الصواب، وفي الكتاب المقدس لدى اليهود والنصارى شيء مثل ذلك ومنه هذان الشاهدان:
١ - (وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب) (تكوين ٦: ٨)
٢ - (فوجدها ملاك الرب على عين الماء في البرية. على العين التي في طريق شور) (تكوين ١٦: ٧)، فالنعمة لا تجد في عين الرب على سبيل الحقيقة، كما أن المرأة التي وجدها ملاك الرب لم تكن على العين بل - عند العين -: أي أن الحقيقة الخارجية في كلا الشاهدين لم تكن على حرفية ما جاء في العبارتين.
٣ - وعلى ضوء ما سبق يمكننا أن نقرأ الشواهد الشعرية التالية:
(١) تفسير البيضاوي (٤١١).