للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدمنا أن من جهلنا حاله ففرض علينا التوقف عن قبول خبره وعن قبول شهادته حتى نعلم حاله، وسواء قال الراوي حدثنا الثقة أو لم يقل لا يجب أن نلتفت إلى ذلك إذ قد يكون عنده ثقة من لا يعلم من جرحته ما يعلم غيره وقد قدمنا أن الجرح أولى من التعديل.

وقد وثق سفيان الثوري جابرًا الجعفي، وجابر قد عرف من حاله ما عرف، ولكن قد خفي أمره على سفيان فقال بما ظهر منه إليه، ومرسل سعيد بن المسيب، ومرسل الحسن البصري وغيرهما سواء لا يؤخذ منه شيء.

ثم قال رحمه الله: فواجب على كل أحد أن لا يقبل إلا من عرف اسمه وعرفت عدالته وحفظه، فما أحد ينصح نفسه يثق بحديث مرسل أصلًا. (١)

وقال ابن تيمية: قد تنازع الناس في قبول المراسيل وفي ردها، وأصح الأقوال أن منها المقبول ومنها المردود ومنها الموقوف فمن علم من حاله أنه لا يرسل إلا عن ثقة قبل مرسله ومن عرف أنه يرسل عن الثقة وغير الثقة كان إرساله رواية عمن لا يعرف حاله فهذا موقوف، وما كان من المراسيل مخالفًا لما رواه الثقات كان مردودًا، وإذا كان المرسل قد ورد من وجهين وكان كل من الراويين قد أخذ العلم عن غير شيوخ الآخر فهذا يدل على صدقه فإن من أخبر بمثل ما أخبر به الآخر مع العلم بأن واحدًا منهما لم يستفد ذلك من الآخر فإنه يعلم أن الأمر كذلك. (٢)

وفي رسالة الشافعي أنه سئل: فهل تقوم بالحديث المنقطع حجة على مَن علمه؟

وهل يختلف المنقطع؟ أو هو وغيره سواءٌ؟

فقال: المنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التابعين فحدث حديثًا منقطعًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتبر عليه بأمور:

١ - منها: أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة ما قبل عنه وحفظه.

وإن انفرد بإرسال حديث لم يَشركه فيه من يُسنده قُبِل ما ينفرد به من ذلك ويعتبر عليه بأن:


(١) الإحكام في أصول الأحكام (٢/ ١٤٣).
(٢) منهاج السنة (٧/ ٤٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>