١ - أما عن الأول فبأن السلطان المنفي عن العباد المخلصين هو الإغواء أعني التلبيس المخل بأمر الدين وهو الذي وقع الإجماع على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم منه وأما غير المخل فلا دليل على نفيه ولا إجماع على العصمة منه وما هنا غير مخل لعدم منافاته للتوحيد كما يبين إن شاء الله تعالى بل فيه تأديب وتصفية وترقية للحبيب الأعظم - صلى الله عليه وسلم - لأنه - صلى الله عليه وسلم - تمنى هدى الكل ولم يكن ذلك مرادًا لله تعالى والأكمل في العبودية فناء إرادته في إرادة الحق سبحانه فليس عليه - صلى الله عليه وسلم - الإلقاء حالة تمني هدى الكل المصادم للقدر والمنافي لما هو الأكمل ليترقى إلى الأكمل، وقد حصل ذلك بهذه المرة، ولذا لم يقع التلبيس مرة أخرى بل كان يرسل بعد من بين يديه ومن خلفه رصد ليعلم أن قد أبلغوا رسالة ربه سبحانه، وفي ترتيب الإلقاء على التمني ما يفهم العتاب عليه!
وأما عن الثاني: فبأن المستحيل المنافي للعصمة أن يزيد - صلى الله عليه وسلم - فيه من تلقاء نفسه أي يزيد فيه ما يعلم أنه ليس منه، وما هنا ليس كذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما تبع فيه الإلقاء الملبس عليه في حالة خاصة فقط تأديبًا أن يعود لمثل تلك الحالة.
وأما عن الثالث: فبأنه يجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - نطق به على فهم أنه استفهام إنكاري حذف منه الهمزة أو حكاية عنهم بحذف القول، وحينئذٍ لا يكون بعيد الالتئام، ولا متناقضًا، ولا ممتزج المدح بالذم، ولا بد من التزام أحد الأمرين على تقدير صحة الخبر لمكان العصمة، والنكتة في التعبير كذلك إيهام الذين في قلوبهم مرض، والقاسية قلوبهم أنه - صلى الله عليه وسلم - مدح آلهتهم ويحصل ذلك مراد الله تعالى المشار إليه بقوله سبحانه:{لِيَجْعَلَ}[الحج: ٥٣] الخ.
وأما عن الرابع: فبأنا نختار الشق الثاني بناءً على أنه استفهام حذف منه الهمزة أو حكاية بحذف القول، وعلى التقديرين يكون - صلى الله عليه وسلم - معتقدًا لمعنى مخالف لما اعتقدوه؛ ولا يلزم منه التقرير على الباطل لأنه بين بطلان معتقدهم بقوله تعالى بعد:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}[النجم: ٢٣] فإن ما لم ينزل الله تعالى به