أن الملقى ملك صدق ولا شيء من الصدق بالتقول فلا شيء من النطق بما يلقيه الشيطان في تلك الحالة به، وما ذكر عن القاضي عياض من حكاية الإجماع على عدم جواز دخول السهو في الأقوال التبليغية كما قال الحافظ ابن حجر متعقب.
وأما عن السابع: فبأنه لا إخلال بالوثوق بالقرآن عند الذين أوتوا العلم والذين آمنوا لأن وثوق كل منهما تابع لوثوق متبوعهم الصادق الأمين فإذا جزم بشيء أنه كذا جزموا به وإذا رجع عن شيء بعد الجزم رجعوا كما هو شأنهم في نسخ غير هذا من الآيات التي هي كلام الله تعالى لفظًا ومعنى إذ قبل نسخ ما نسخ لفظه كانوا جازمين بأنهم متعبدون بتلاوته وبعد النسخ جزموا بأنهم ما هم متعبدين بتلاوته، وما نسخ حكمه كانوا جازمين بأنهم مكلفون بحكمه وبعد النسخ جزموا بأنهم ما هم مكلفين به، فقول البيضاوي: إن ذلك لا يندفع بقوله تعالى: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ}[الحج: ٥٢] الخ لأنه أيضًا يحتمله ليس بشيء، وبيانه أنه إن أراد أنه يحتمله عند الفرق الأربع المذكورة في الآيات وهم الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم والذين أوتوا العلم والذين آمنوا فهو ممنوع لدلالة قوله تعالى:{وَلِيَعْلَمَ}[الحج: ٥٤] على انتفاء الاحتمال عند فريقين من الفرق الأربع بعد النسخ والإحكام، وإن أراد أنه يحتمله في الجملة أي عند بعض دون بعض فهو مسلم وغير مضر لعدم إخلاله بالوثوق بالقرآن عند الذين أوتوا العلم والذين آمنوا، وأما إخلاله بالنسبة إلى الفريقين الآخرين فهو مراد الله - عز وجل -.
١ - الرد على الجواب الأول
١ - إن التلبيس بحيث يشتبه الأمر على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيعتقد أن الشيطان ملك مخل بمقام النبوة، ونقص فيه فإن الولي الذي هو دونه - صلى الله عليه وسلم - بمراتب لا يكاد يخفى عليه الطائع من العاصي فيدرك نور الطاعة وظلمة المعصية فكيف بمن هو سيد الأنبياء ونور عيون قلوب الأولياء يلتبس عليه من هو محض نور بمن محض ديجور، واشتباه جبريل - عليه السلام - عليه - صلى الله عليه وسلم - في بعض المرات حتى لم يعرفه إلى أن ذهب فقال:"والذي نفسي بيده ما شبه علي منذ أتاني قبل مرتي هذه وما عرفته حتى ولى" إذا صح ليس من قبيل اشتباه الشيطان به - عليه السلام - إذ يجوز أن يكون من اشتباه ملك بملك وكل منهما نوراني، وقد كان يأتيه - صلى الله عليه وسلم - غير جبريل - عليه السلام - من الملائكة الكرام.