٢ - وأيضًا قال المحققون: إن الأنبياء عليهم السلام ليس لهم خاطر شيطاني، وكون ذلك ليس منه بل كان مجرد إلقاء على اللسان دون القلب ممنوع ألا ترى أنه قال تعالى:{أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}[الحج: ٥٢] دون ألقى الشيطان على لسانه، وتسمية القراءة أمنية لما أن القارئ يقدر الحروف في قلبه أولًا ثم يذكرها شيئًا فشيئًا.
٣ - وأيضًا حفظه - صلى الله عليه وسلم - لذلك إلى أن أمسى كما جاء في بعض الروايات فنبهه عليه جبريل عليهما السلام يبعد كون الإلقاء على اللسان فقط، على أنا لو سلمنا ذلك وقلنا: إن الشيطان ألقى على لسانه - صلى الله عليه وسلم - ولم يلق في قلبه كما هو شأن الوحي المشار إليه بقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: ١٩٣، ١٩٤] وقلنا: إن ذلك مما يعقل للزم أن يعلم - صلى الله عليه وسلم - من خلو قلبه واشتغال لسانه أن ذلك ليس من الوحي في شيء ولم يحتج إلى أن يعلمه جبريل - عليه السلام -.
٤ - والقول بأنه لبس الحال عليه - صلى الله عليه وسلم - للتأديب والترقية إلى المقام الأكمل في العبودية وهو فناء إرادته - صلى الله عليه وسلم - في إرادة مولاه عز وجل حيث تمنى إيمان الكل وحرص عليه ولم يكن مراد الله تعالى مما لا ينبغي أن يلتفت إليه لأن القائل به زعم أن التأديب بذلك كان بعد قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ}[الأنعام: ٣٥] ولا شك أن التأديب به لم يبق، ولم يذر، ولم يقرن بما فيه تسلية أصلًا فإذا قيل، والعياذ بالله تعالى: إن ذلك لم ينجع فكيف ينجع ما دونه، وأيضًا أية دلالة في الآية على التأديب وهي لم تخرج مخرج العتاب بل مخرج التسلية على أبلغ وجه عما كان يفعل المشركون من السعي في إبطال الآيات، ولا نسلم أن ترتيب الإلقاء على التمني مع ما في السباق والسياق مما يدل على التسلية عن ذلك يجدي نفعًا في هذا الباب كما لا يخفى على ذوي الألباب.
٥ - ويرد على قوله: إنه بعد حصول التأديب بما ذكر كان يرسل من بين يديه ومن خلفه رصد يحفظونه من إلقاء الشيطان أنه لم يدل دليل على تخصيص الإرسال بما بعد ذلك بل الظاهر أن ذلك كان في جميع الأوقات فقد أخرج عبد بن حميد. وابن جرير عن الضحاك