عصمته - صلى الله عليه وسلم - من جريان الكفر على قلبه أو لسانه لا عمدًا ولا سهوًا أو أن يتشبه عليه ما يلقيه الملك مما يلقى الشيطان أو يكون للشيطان عليه سبيل أو أن يتقول على الله لا عمدا ولا سهوا ما لم ينزل عليه وقد قال الله تعالى:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ}[الحاقة: ٤٤]، وقال تعالى {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ}[الإسراء: ٧٥].
١٢ - قال ابن العربي: اعلموا أنار الله أفئدتكم بنور هداه، ويسر لكم مقصد التوحيد ومغزاه؛ أن الهدى هدى الله، فسبحان من يتفضل به على من يشاء، ويصرفه عمن يشاء، وقد بينا معنى الآية في فصل تنبيه الغبي على مقدار النبي بما نرجو به عند الله الجزاء الأوفى، في مقام الزلفى، ونحن الآن نجلو بتلك الفصول الغماء، ونرقيكم بها عن حضيض الدهماء، إلى بقاع العلماء في عشر مقامات:
المقام الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أرسل الله إليه الملك بوحيه، فإنه يخلق له العلم به، حتى يتحقق أنه رسول من عنده، ولولا ذلك ما صحت الرسالة، ولا تبينت النبوة، فإذا خلق الله له العلم به تميز عنده من غيره، وثبت اليقين، واستقام سبيل الدين، ولو كان النبي إذا شافهه الملك بالوحي لا يدري أملك هو أم إنسان، أم صورة مخالفة لهذه الأجناس ألقت عليه كلاما، وبلغت إليه قولا لم يصح له أن يقول: إنه من عند الله، ولا ثبت عندنا أنه أمر الله، فهذه سبيل متيقنة، وحالة متحققة، لا بد منها، ولا خلاف في المنقول ولا في المعقول فيها، ولو جاز للشيطان أن يتمثل فيها، أو يتشبه بها ما أمناه على آية، ولا عرفنا منه باطلًا من حقيقة؛ فارتفع بهذا الفصل اللبس، وصح اليقين في النفس.
المقام الثاني: أن الله قد عصم رسوله من الكفر، وأمَّنه من الشرك، واستقر ذلك من دين المسلمين بإجماعهم فيه، وإطباقهم عليه؛ فمن ادعى أنه يجوز عليه أن يكفر بالله، أو يشك فيه طرفة عين، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه؛ بل لا تجوز عليه المعاصي في الأفعال، فضلًا عن أن ينسب إلى الكفر في الاعتقاد؛ بل هو المنزه عن ذلك فعلًا واعتقادًا.