١١ - قال القاضي عياض: يكفيك أن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم وصدق القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال لقد بلى الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير وتعلق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده واختلاف كلماته فقائل يقول إنه في الصلاة، وآخر يقول قالها في نادى قومه حين أنزلت عليه السورة، وآخر يقول قالها وقد أصابته سنة، وآخر يقول بل حدث نفسه فيها، وآخر يقول إن الشيطان قالها على لسانه وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما عرضها على جبريل قال ما هكذا أقرأتك، وآخر يقول بل أعلمهم الشيطان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأها، فلما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك قال والله ما هكذا نزلت، إلى غير ذلك من اختلاف الرواة، ومن حكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية، والمرفوع فيه حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال فيما أحسب الشك في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بمكة وذكر القصة.
قال أبو بكر البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد متصل يجوز ذكره إلا هذا ولم يسنده عن شعبة إلا أمية بن خالد وغيره يرسله عن سعيد بن جبير، وإنما يعرف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس - رضي الله عنه - فقد بين لك أبو بكر رحمه الله أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا، وفيه من الضعف ما نبه عليه مع وقوع الشك فيه كما ذكرناه الذي لا يوثق به ولا حقيقة معه، وأما حديث الكلبي فمما لا تجوز الرواية عنه ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه كما أشار إليه البزار رحمه الله والذي منه في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ والنجم وهو بمكة فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس، هذا توهينه من طريق النقل.
فأما من جهة المعنى فقد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته - صلى الله عليه وسلم - ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله وهو كفر أو أن يتسور عليه الشيطان ويشبه عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه ويعتقد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل - عليه السلام - وذلك كله ممتنع في حقه - صلى الله عليه وسلم - أو يقول ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبل نفسه عمدًا - وذلك كفر- أو سهوا وهو معصوم من هذا كله وقد قررنا بالبراهين والإجماع