للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلّا في حالِ إذا تمنّى أحدُهم أمنية ألقى الشيطان فيها الخ، أي في حال حصول الإلقاء عند حصول التمني لأنّ أماني الأنبياء خيرٌ محض والشيطان دأبُه الإفساد وتعطيل الخير.

والقصر المستفاد من النفي والاستثناء قصر موصوف على صفة، وهو قصر إضافي، أي دون أن نرسل أحدًا منهم في حال الخلو من إلقاء الشيطان، ومكره.

والإلقاء حقيقته: رمي الشيء من اليد. واستعير هنا للوسوسة، وتسويل الفساد تشبيهًا للتسويل بإلقاء شيء من اليد بين الناس، ومنه قوله تعالى: {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} [طه: ٨٧) وقوله: {فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ} [النحل: ٨٦] وكقوله تعالى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا} [طه: ٩٦] على ما حققناه فيما مضى.

ومفعول {أَلْقَى} محذوف دل عليه المقام لأنّ الشيطان إنما يلقي الشر والفساد، فإسناد التمني إلى الأنبياء دل على أنه تمنّي الهدى والصلاح، وإسناد الإلقاء إلى الشيطان دلّ على أنه إلقاء الضلال، والفساد. فالتقدير: أدخل الشيطان في نفوس الأقوام ضلالات تفسد ما قاله الأنبياء من الإرشاد.

ومعنى إلقاء الشيطان في أمنية النبي والرسول إلقاء ما يضادُّها، كمن يمكر فيلقى السمّ في الدّسم، فإلقاء الشيطان بوسوسته: أن يأمر الناس بالتكذيب، والعصيان، ويلقي في قلوب أئمة الكفر مطاعن يبثونها في قومهم، ويروّج الشبهات بإلقاء الشكوك التي تصرف نظر العقل عن تذكر البُرهان، والله تعالى يُعيد الإرشاد ويكرّر الهدي على لسان النبي، ويفضح وساوس الشيطان وسوءَ فعله بالبيان الواضح كقوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: ٢٧] وقوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: ٦]. فالله بهديهِ، وبيانه ينسخ ما يُلقِي الشيطان، أي يزيل الشبهات التي يلقيها الشيطان ببيان الله الواضح، ويزيد آيات دعوة رسله بيانًا، وذلك هو إحكام آياته، أي تحقيقها، وتثبيت مدلولها، وتوضيحها بما لا شبهة بعده إلا لمن رِين على قلبه، وقد فسر كثيرٌ من المفسرين {تَمَنَّى} بمعنى قَرَأ، وتبعهم أصحاب كتب اللغة وذكروا بيتًا نسبوه إلى حسّان

<<  <  ج: ص:  >  >>