للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلقيها في نفوس الكفار ومرضى القلوب من المنافقين فيحسبها أولئك من الوحي وليست منه فيبطل الله ذلك القول الشيطاني ويزيل الشبه ويحكم آياته.

فإن قيل إذا كان الأمر على ما وصفت فما هو معنى الآية؟ وما هو سبب النزول؟

فالجواب من كلام العلماء ما يلي:

١ - قال الشوكاني: وإذا تقرّر لك بطلان ذلك عرفت أن معنى {تَمَنَّى}: قرأ وتلا، كما قدّمنا من حكاية الواحدي لذلك عن المفسرين. وكذا قال البغوي: إن أكثر المفسرين قالوا معنى {تَمَنَّى}: تلا، وقرأ كتاب الله، ومعنى {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} أي في تلاوته وقراءته. قال ابن جرير: هذا القول أشبه بتأويل الكلام، ويؤيد هذا ما تقدّم في تفسير قوله: {لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: ٧٨]. وقيل: معنى {تَمَنَّى}: حدّث، ومعنى {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} في حديثه، روي هذا عن ابن عباس، وقيل: معنى {تَمَنَّى}: قال فحاصل معنى الآية: أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك من دون أن يتكلم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا جرى على لسانه، فتكون هذه الآية تسلية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أي لا يهولنك ذلك ولا يحزنك، فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين، والأنبياء، وعلى تقدير أن معنى {تَمَنَّى}: حدّث نفسه كما حكاه الفرّاء والكسائي فإنهما قالا: تمنى إذا حدّث نفسه، فالمعنى: أنه إذا حدّث نفسه بشيء تكلم به الشيطان وألقاه في مسامع الناس من دون أن يتكلم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا جرى على لسانه. قال ابن عطية: لا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة وقعت بها الفتنة. (١)

٢ - وأوضح من هذا ما قاله الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى: والتمنّي: كلمة مشهورة، وحقيقتها: طلب الشيء العسير حصولُه. والأمنية: الشيء المتمنّى. وإنما يتمنى الرسل والأنبياء أن يكون قومهم كلُّهم صالحين مهتدين، والاستثناءُ من عمومِ أحوال تابعة لعموم أصحابها وهو {مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ}، أي ما أرسلناهم في حال من الأحوال


(١) فتح القدير ٣/ ٦٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>