للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاله فحزن لذلك من كذبهم، وافترائهم عليه فسلاه الله تعالى بقوله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} الآية، وبين للناس الحق من ذلك من الباطل، وحفظ القرآن، وأحكم آياته ودفع ما لبس به العدو كما ضمنه تعالى من قوله {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. (١)

السادس: أن الذي قال ذلك رجل منهم قلد صوته - صلى الله عليه وسلم - عند التلاوة فظنوها من كلامه - صلى الله عليه وسلم -

وكان ذلك بحضرة الجمع الكثير من قريش في المسجد الحرام فقال سائر الكفار الذين كانوا بالبعد منه إن محمدا قد مدح آلهتنا وظنوا أن ذلك كان في تلاوته فأبطل الله ذلك من قولهم وبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتله وإنما تلاه بعض المشركين وسمى الذي القى ذلك في حال تلاوة النبي - صلى الله عليه وسلم - شيطانا لأنه كان من شياطين الإنس كما قال تعالى شياطين الإنس والجن والشيطان اسم لكل متمرد عات من الجن والإنس. (٢)

السابع: أن يكون صدور مثل هذا وإتباعه بنسخه مع بيان الكل من النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل على صدقه وأمانته لأنه لم يكتم مثل هذا.

قال ابن تيمية رحمه الله: ومن جوز ذلك قال إذا حصل البيان ونسخ ما ألقى الشيطان لم يكن في ذلك محذور وكان ذلك دليلًا على صدقه وأمانته وديانته وأنه غير متبع هواه ولا مصر على غير الحق كفعل طالب الرياسة المصر على خطئه وإذا كان نسخ ما جزم بأن الله أنزله لا محذور فيه فنسخ مثل هذا أولى أن لا يكون فيه محذور (٣)، وعلى هذا فالعصمة المتفق عليها أنه لا يقر على خطأ في التبليغ بالإجماع. (٤)

ومما تقدم يتبين أن روايات قصة الغرانيق ليست صحيحة وأنه ليس للشيطان سلطان أن يلقي على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا من الباطل فيتلوه أو يتكلم به، وربما ألقى الشيطان قولا أثناء تلاوة النبي - صلى الله عليه وسلم - يتكلم به الشيطان ويسمعه الحاضرون، أو يوسوس الشيطان وساوس


(١) الشفاء (٢/ ١٣٢).
(٢) أحكام القرآن للجصاص (٥/ ٨٤).
(٣) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (٢/ ٣٦).
(٤) منهاج السنة (٢/ ٤١٠)، ومجموع الفتاوى (١٥/ ١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>