الشعائر التي عرفتها الإنسانية حتى قبل الخليل - عليه السلام -، فإن نحر الحيوانات ضحية معروفة في الأديان القديمة، وكان معروفًا عند الكنعانيين قبل أن يروا اليهود، أو على الأصح قبل أن يفد إبراهيم إلى تخوم فلسطين، والإسلام يستعمل ضحايا عيد الضحية للصدقة والبر بالفقراء، وهو عمل يتقرب به إلى الله تعالى، سواء من المذنبين ذوي الخطايا الكبيرة ومن الأطهار الأبرار على السواء، وكان العرب يعرفون القرابين الحيوانية ويذبحونها لأسباب كثيرة، ومشهور أن عبد المطلب جد النبي - صلى الله عليه وسلم - افتدى ابنه عبد الله بمائة من الإبل.
بل وأبعد من ذلك في تاريخ الأديان ما جاء عن شعائر الديانة السومرية أن الأضاحي فيها كانت بالدرجة الأساس أضاحٍ نباتية وحيوانية، أما الأضاحي النباتية فكانت تُقدم بكثرة إلى المعابد لإطعام الآلهة والكهنة، ومنها الفاكهة، والحيوانية كانت تتألف من الثيران والما شية والماعز والغزلان والأسماك والخنازير وأنواع الطيور.
وفي الآرامية: كان القربان يسمى (قرين) وكان يُقدم للآلهة نذرًا أو تقدمة، ولكننا لا نعرف على وجه الدقة ما نوع الحيوانات التي كانت تُقدم كنذور، وما هي الحيوانات المحرم تقديمها، كذلك يصعب علينا معرفة القرابين النباتية والبشرية من عدم وجودها، وكان وعاء الأضاحي يسمى الدورق (أدقور)، وهو وعاء لرش السائل أو الماء، وهناك أيضًا المجامر التي كانت ترافق تقديم القرابين والأضاحي.
وهذه الطقوس هي ما يمارسه اليهود والنصارى اليوم في تقديم الذبائح والقرابين، فليس لليهود فضل في هذه الشعيرة، بل هي التي شوهت شعائر الله، والتاثت عقائدها بعقائد الوثنية، ففهمت أن القرابين والتضحيات ينال منها الله تعالى، ولقد جاء القرآن الكريم يضرب بباطلهم وجوههم، ويرد عن شعائر الله لوثات الوثنية {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧)} [الحج: ٣٧]، وإنما هي بقايا ما ورث الناس من الدين الحق، وإن أخطأ الناس ممارستها وتقربوا بها إلى غير مستحقها سبحانه وتعالى.