للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليست التضحية سلبية تعني اتقاء قوى الشر، ولكنها في الإسلام تتعدى هذا المعنى السلبي إلى معنى أجل وأرفع، وهو مقاومة الشر والرذيلة والتضحية في سبيل ذلك.

٣ - والحج في الإسلام شحنة روحية متقدة لا تخبو، تريه ماضي دينه العريق وحاضره الخصب ومستقبله المأمول، وتربطه بمشاعر الحب والأخوة والمسئولية فتملأ جوانحه خشية وتقى لله، وعزمًا على طاعته وندمًا على معصيته، وتغذي فيه عاطفة الحب لله ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولمن عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه، وتوقظ فيه مشاعر الأخوة لأبناء دينه في كل مكان وتوقد صدره شعلة الحماسة لدينه والغيرة على حرماته، وهذه الدلالة الروحية في الإسلام لا ترتبط بموسم الزرع والحصاد، فإنه يتفق في جميع المواسم والمواعيد ويأتي في الشتاء أو الصيف كما يأتي في الربيع، وهو بهذا المعنى علاقة سماوية روحية تناسب مقصدها الأسمى من تحقيق الرابطة بين الأمم التي تدين بعقيدة واحدة في أرجاء الكرة الأرضية على تباعد مواقعها واختلاف أجوائها وفصولها، فهو رابطة من روابط السماء تؤمن بها أمم وحدتها العقيدة السماوية، وإن فرقت بينها شتى المطارح والبقاع.

٤ - الحج في الإسلام هو فريضة الله الباقية في صورتها الشاملة الكاملة كما نزل بها الوحي على محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن ضيع اليهود والنصارى هذه الشعيرة واستبدلوا بها شعائر ما نزَّل الله بها من سلطان، بل وضعها كهنتهم ورجال دينهم، ولقد طال بحث المؤرخين الغربيين عن أصول الحج إلى الكعبة قبل الإسلام وتواترت الأقوال بتعدد الأبنية التي كانت من قبليها في الجزيرة العربية، ومنها كعبة صنعاء التي يقال إنها كانت في موضع مسجد غمدان وكعبة نجران التي كشفها الرحالة المعروف الشيخ عبد الله فلبي سنة ١٩٣٦ م، وغير هاتين الكعبتين مما ورد في بعض الأخبار الضعاف بغير سند من دلائل الثقات، وأيًا كان القول الفصل في تاريخ الماضي فالحج الإسلامي في عصرنا هذا هو الفريضة الوحيدة الباقية من قبيلها في جميع الأديان الكتابية.

فهيكل بيت المقدس قد تهدم منذ القرن الأول للميلاد، ولم يرد في الأناجيل المسيحية نص على مكان مقدس مفروض على المسيحيين أن يحجوا إليه، وكل ما عرف بعد القرون الأولى فإنما اتبع فيه الخلف سنة الملكة (هيلانة) أم الإمبراطور قسطنطين التي قيل إنها وجدت

<<  <  ج: ص:  >  >>