وأما جمهور المفسرين فقد اتفقوا على أن ذلك من كلام القوم، وأرادوا به أن أهل الكتاب أملوا عليه في هذه الأوقات هذه الأشياء ولا شك أن هذا القول أقرب لوجوه:
أحدها: شدة تعلق هذا الكلام بما قبله، فكأنهم قالوا اكتتب أساطير الأولين فهي تملى عليه.
وثانيها: أن هذا هو المراد بقولهم: {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ}.
وثالثها: أنه تعالى أجاب بعد ذلك عن كلامهم بقوله: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ}.
قال الزمخشري (١): وقول الحسن إنما يستقيم أن لو فتحت الهمزة للاستفهام الذي في معنى الإنكار وحق الحسن أن يقف على: {الْأَوَّلِينَ}، وأجاب الله عن هذه الشبهة بقوله:{قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}[الفرقان: ٦] وفيه أبحاث:
البحث الأول: في بيان أن هذا كيف يصلح أن كون جوابًا عن تلك الشبهة؟ ، وتقريره ما قدمنا أنه - عليه السلام - تحداهم بالمعارضة وظهر عجزهم عنها، ولو كان - عليه السلام - أتى بالقرآن بأن استعان بأحد، لكان من الواجب عليهم أيضًا أن يستعينوا بأحد، فيأتوا بمثل هذا القرآن، فلما عجزوا عنه ثبت أنه وحي الله وكلامه، فلهذا قال:{قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}، وذلك لأن القادر على تركيب ألفاظ القرآن لا بد وأن يكون عالمًا بكل المعلومات ظاهرها وخافيها وليس ذلك إلا الله.
وبيانه من وجوه:
أحدها: أن مثل هذه الفصاحة لا يتأتى إلا من العالم بكل المعلومات.
ثانيها: أن القرآن مشتمل على الإخبار عن الغيوب، وذلك لا يأتي إلا من العالم بكل المعلومات.
ثالثها: أن القرآن مبرأ عن النقص، وذلك لا يأتي إلا من العالم على ما قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} [النساء: ٨٢].