للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطعام الذي دعيتم لأكله فانتشروا، يعني: فتفرقوا واخرجوا من منزله، ولا متحدثين بعد فراغكم من أكل الطعام إيناسًا من بعضكم لبعض به؛ لأن دخولكم بيوت النبي من غير أن يؤذن لكم وجلوسكم فيها مستأنسين للحديث بعد فراغكم من أكل الطعام الذي دعيتم له - كان يؤذي النبي فيستحي منكم أن يخرجكم منها إذا قعدتم فيها للحديث بعد الفراغ من الطعام، أو يمنعكم من الدخول إذا دخلتم بغير إذن مع كراهيته لذلك منكم {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أن يبيّن لكم وإن استحيا نبيكم فلم يبين لكم كراهية ذلك حياءً منكم، وإذا سألتم أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعًا {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} يقول: وما ينبغي لكم أن تؤذوا رسول الله، وما يصلح ذلك لكم، وما ينبغي لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا، فإن أذاكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونكاحكم أزواجه من بعده عند الله عظيم من الإثم (١).

قال ابن كثير: هذه آية الحجاب، وفيها أحكام وآداب شرعية، وهي مما وافق تنزيلها قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال: وافقت ربي في ثلاث: فقلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فأنزل الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥]. وقلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو حجبتهن؟ فأنزل الله آية الحجاب. وقلت لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -: لما تمالئن عليه في الغيرة: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: ٥] فنزلت كذلك (٢).

فقوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} حَظَر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغير إذن، كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله


(١) الطبري (٢٢/ ٣٤ - ٤٠).
(٢) أخرجه البخاري (٤٠٢)، مسلم (٢٣٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>