للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهذه الأمة فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة؛ ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والدخول على النساء" (١).

ثم قال تعالى: {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا}، وفي صحيح مسلم عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعا أحدكم أخاه فَلْيجب، عُرسًا كان أو غيره" (٢)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو دُعيت إلى ذراع لأجبت، ولو أهدي إليَّ كُرَاع لقبلت، فإذا فَرَغتم من الذي دُعيتم إليه فخففوا عن أهل المنزل، وانتشروا في الأرض" (٣).

والمراد أن دخولكم منزله بغير إذنه كان يشق عليه ويتأذى به، لكن كان يكره أن ينهاهم عن ذلك من شدة حيائه - عليه السلام - حتى أنزل الله عليه النهي عن ذلك؛ ولهذا قال: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أي: ولهذا نهاكم عن ذلك وزجرَكم عنه.

ثم قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} أي: وكما نهيتكم عن الدخول عليهن، كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن، ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب.

وقوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} أي: هذا الذي أمرتكم به وشرعته لكم من الحجاب أطهر وأطيب (٤).

وقال الرازي: إن حال الأمة مع النبي على وجهين أحدهما: في حال الخلوة والواجب هناك عدم إزعاجه وبيّن ذلك بقوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} وثانيهما: في الملأ والواجب هناك إظهار التعظيم كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦]، ولما بيّن الله من حال النبي أنه داع إلى الله بقوله: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ} قال ههنا: لا تدخلوا إلا إذا دعيتم يعني كما أنكم ما دخلتم الدين إلا بدعائه.


(١) أخرجه البخاري (٥٢٣٢)، مسلم (٢١٧٢).
(٢) أخرجه مسلم (١٤٢٩).
(٣) أخرجه البخاري (٢٥٦٨).
(٤) تفسير ابن كثير (٣/ ٦٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>