للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما روي في أذية الله - عز وجل -: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله - عز وجل -: يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب ليله ونهاره" (١).

قَوْله: (وَأنا الدَّهْر)

قَالَ الْخَطابِيُّ: مَعْنَاهُ: أَنا صَاحِب الدَّهْر، وَمُدَبِّر الْأُمُور الَّتِي يَنْسُبُونَهَا إِلَى الدَّهْر، فَمَنْ سَبَّ الدَّهْر مِنْ أَجْل أَنَّهُ فَاعِل هَذِهِ الْأُمُور عَادَ سَبّه إِلَى رَبّه الَّذِي هُوَ فَاعِلهَا، وإِنَّمَا الدَّهْر زَمَان جُعِلَ ظَرْفًا لِمَوَاقِع الْأُمُور. وَكَانَتْ عَادَتهمْ إِذَا أَصَابَهُمْ مَكْرُوه أَضَافُوهُ إِلَى الدَّهْر فَقَالُوا: بُؤْسًا لِلدَّهْرِ، وَتَبًّا لِلدَّهْرِ (٢).

وقال ابن كثير: ومعنى هذا: أن الجاهلية كانوا يقولون: يا خيبة الدهر، فعل بنا كذا وكذا. فيسندون أفعال الله تعالى إلى الدهر، ويسبونه، وإنما الفاعل لذلك هو الله - عز وجل - فنهى عن ذلك. هكذا قرره الشافعي، وأبو عبيد، وغيرهما من العلماء، رحمهم الله.

والظاهر أن الآية عامة في كل من آذاه بشيء، ومن آذاه فقد آذى الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله (٣).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة" (٤).

وقال ابن حجر: وَقَوْله: "وَمَنْ ذَهَبَ" أَيْ: قَصَدَ، وَقَوْله: "يَخْلُق كَخَلْقِي" نَسَبَ الْخَلْق إِلَيْهِمْ عَلَى سَبِيل الِاسْتِهْزَاء أَوْ التَّشْبِيه فِي الصُّورَة فَقَطْ، وَقَوْله: "فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّة أَوْ شَعِيرَة" أَمْر بِمَعْنَى: التَّعْجِيز؛ وَهُوَ عَلَى سَبِيل التَّرَقِّي فِي الْحَقَارَة أَوْ التَّنَزُّل فِي الْإِلْزَام، وَالْمُرَاد بِالذَّرَّةِ إِنْ كَانَ النَّمْلَة فَهُوَ مِنْ تَعْذِيبهمْ وَتَعْجِيزهمْ بِخَلْقِ الْحَيَوَان تَارَة، وَبِخَلْقِ الْجَمَاد أُخْرَى، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى: الْهَبَاء فَهُوَ بِخَلْقِ مَا لَيْسَ لَهُ جِرْم مَحْسُوس تَارَة، وَبِمَا لَهُ جِرْم أُخْرَى (٥).

ثانيًا: وقال بعضهم: {يُؤْذُونَ اللَّهَ} أي: يؤذون أولياء الله كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ


(١) أخرجه البخاري (٤٨٢٦)، ومسلم (٢٢٤٦).
(٢) فتح الباري (٨/ ٦٧٤)، وانظر النووي (٨/ ٦).
(٣) تفسير ابن كثير (٣/ ٧٠٠).
(٤) أخرجه البخاري (٧٥٥٩)، ومسلم (٢١١١).
(٥) فتح الباري (١٣/ ٦٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>