للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَرْيَةَ} أي: أهل القرية.

وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله تعالى: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب". (١)

قال البغوي: ومعنى الأذى: هو مخالفة أمر الله تعالى وارتكاب معاصيه، ذكره على ما يتعارفه الناس بينهم، والله - عز وجل - منزه عن أن يلحقه أذى من أحد. و (إيذاء الرسول) قال ابن عباس: هو أنه شج في وجهه وكسرت رباعيته، وقيل: شاعر، ساحر، معلَّم، مجنون.

ومعنى اللعنة: الطرد والإبعاد من رحمته، وجعل ذلك في الدنيا والآخرة لتشملهم فيهما بحيث لا يبقى وقت من الأوقات مماتهم ومحياهم إلا واللعنة واقعة عليهم ومصاحبة لهم، {وَأَعَدَّ لَهُمْ} مع ذلك اللعن {عَذَابًا مُهِينًا} يصيرون به في الإهانة في الدار الآخرة لما يفيده معنى: الإعداد من كونه في الدار الآخرة (٢).

وقال الرازي: وقوله: {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} إشارة إلى بعدٍ لا رجاءَ للقربِ معه؛ لأن المبعد في الدنيا يرجو القربة في الآخرة، فإذا أبعد في الآخرة فقد خاب وخسر؛ لأن الله إذا أبعده وطرده فمن الذي يقربه يوم القيامة، ثم إنه تعالى لم يحصر جزاءه في الإبعاد؛ بل أوعده بالعذاب بقوله: {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} فاللعن جزاء الله؛ لأن من آذى الملك يبعده عن بابه إذا كان لا يأمر بعذابه، والتعذيب جزاء إيذاء الرسول؛ لأن الملك إذا آذى بعض عبيده كبير يستوفي منه قصاصه، لا يقال: فعلى هذا من يؤذي الله ولا يؤذي الرسول لا يعذب؛ لأنا نقول: انفكاك أحدهما على هذا الوجه عن الآخر محال؛ لأن من آذى الله فقد آذى الرسول. وأما على الوجه الآخر وهو أن من يؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يؤذي الله كمن عصى من غير إشراك، كمن فسق أو فجر من غير ارتداد وكفر، فقد آذى النبي - صلى الله عليه وسلم - غير أن الله تعالى صبور غفور رحيم فيجزيه بالعذاب ولا يلعنه بكونه يبعده عن الباب (٣).


(١) أخرجه البخاري (٦٥٠٢).
(٢) تفسير البغوي (٣/ ٥٤٣).
(٣) تفسير الرازي (٢٥/ ٢٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>