للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما كان الله تعالى مصليًا على نبيه لم ينفك إيذاء الله عن إيذائه، فإن من آذى الله فقد آذى الرسول، فبين الله للمؤمنين أنكم إن أتيتم بما أمرتكم وصليتم على النبي كما صليت عليه لا ينفك إيذاؤكم عن إيذاء الرسول، فيأثم من يؤذيكم لكون إيذائكم إيذاء الرسول، كما أن إيذائي إيذاؤه، وبالجملة لما حصلت الصلاة من الله والملائكة والرسول والمؤمنين صار لا يكاد ينفك إيذاء أحد منهم عن إيذاء الآخر؛ كما يكون حال الأصدقاء الصادقين في الصداقة (١).

وقال أحمد بن يوسف: في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ} [الأحزاب: ٥٧] أي: يقولون فيه ما صورته أذى، وإن كان سبحانه وتعالى لا يلحقه ضرر ذلك حيث وصفوه بما لا يليق بجلاله: من اتخاذ الأنداد، ونسبة الولد، والزوجة إليه، وأن يكون على حذف مضاف أي: أولياء الله، وقيل: أتى بالحالة تعظيمًا، والمراد: يؤذون رسولي (٢).

والله - عز وجل - أثبت الأذية في القرآن، ونفى الضر عن نفسه سبحانه. نفى الله - عز وجل - عن نفسه أن يضره شيء، قال تعالى: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران: ١٧٦]، وفي الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني" (٣) (٤).

وهذا ممكن، ألا ترى الرجل يتأذى برائحة البصل ونحوه، ولا يتضرر بها (٥).

ومعنى: {أذى الله} أن الله سبحانه وتعالى يبغض ذلك ويكرهه؛ لأنه تنقص لله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى يتأذى ببعض أفعال عباده وأقوالهم التي فيها إساءة في حقه، ولكنه لا يتضرر بذلك، ولأن الله لا يضره شيء.

وكذلك من الأحاديث: عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لكعب بن الأشرف؟ فإنه آذى الله ورسوله" (٦).


(١) تفسير الرازي (٢٥/ ٢٢٩).
(٢) الدر المصون في علم الكتاب المكنون لأحمد يوسف المعروف بـ (السمين الحلبي) (الآية).
(٣) أخرجه مسلم (٢٥٧٧).
(٤) القول المفيد.
(٥) انظر شرح الواسطية لابن عثيمين.
(٦) أخرجه البخاري (٢٥١٠)، ومسلم (١٨٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>