اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)} فما يدعون الناس إليه من مثل وقيم ومبادئ وسلوك عملي ليسوا متأثرين برؤيتهم الشخصية كالزعماء والمصلحين العاديين ولا بالقصور البشري الذي يعتري أفهام البشر وسلوكهم.
٢ - أنهم لا يتعاملون مع الحلول الجزئية والمشكلات الجزئية وإنها يتعاملون مع الجذور الأصلية العميقة ويبحثون عن مكان الداء لاجتثاثه من أصله فلا يعالجون المشاكل بمعزل عن مثيلاتها ومسبباتها بل ينظرون إلى الأمور نظرة كلية شاملة واضعين في اعتبارهم طبائع النفوس البشرية.
٣ - إن الحلول التي يقدمها الرسل ليست حلولًا نظرية أو تصورات عقلية مجردة كما تفعل الفلاسفة وإنما هي مناهج عملية منزَّلة من لدن حكيم خبير عليم بأحوال البشر والمجتمعات البشرية كما قال الله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} ولذلك قدم الرسل نماذج راقية في قيادة المجتمعات إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة، وهذا النجاح مكفول لكل من سلك سبيل الأنبياء في هديهم وقيادتهم للأمم قال الله تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}[النور: ٥٥].
٤ - إن الأنبياء في سياستهم يمثلون القدوة الصالحة لأممهم حيث تتمثل مبادئهم وقيمهم في سلوكهم وسياستهم فهم يرتفعون عن النقائص والعيوب الشائنة التي تشوب المصلحين العاديين بما فيهم من بذور حب التزعم والسيطرة والاستغلال والتسخير للمصالح الشخصية وغير ذلك من النقائص وقد وصف الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - مثنيا عليه وعلى المؤمنين بقوله:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر}[آل عمران: ١٥٩].
٥ - إن الأنبياء وهم يسوسون شعوبهم لا يجعلون حياتهم منصرفة لمتاع الدنيا أو الالتباس الشديد بالماديات غافلين عن النواحي الروحية، بل هم في غمرة السياسة يذكّرونهم بالله تعالى ويربطون قلوب العباد بخالقهم فتسمو نفوسهم وتصفو قلوبهم وترقى غاياتهم كما قال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا