أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} [القصص: ٧٧]، وقد ترسخت هذه القيم العالية والأهداف السامية حتى إن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعلوها ضمن أهدافهم عند دعوة عباد الله تعالى في الأرض إلى دين الله تعالى، فهذا ربعي بن عامر حين دخل على كسرى عظيم الروم عندما سأله كسرى: من أنتم؟ فأجابه: لقد بعثنا الله تعالى لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن ظلم الحكام إلى عدل الإسلام، ثم إن خلفاء الرسل يخلفونهم في تولي شئون العباد فيحكمون بمنهج الرسل ويسوسون الناس على سنن من هديهم كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)}، وقال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وأولو الأمر هم العلماء والحكام.
ولكن الذين يتولون الأمر من بعد الرسول يجب عليهم الالتزام بقواعد الشرع في سياساتهم وأن يتبعوا سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ذلك كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" فطاعة أولي الأمر ليست طاعة مستقلة، بل هي تبع لطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومقيدة بها كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا طاعة لمن عصى الله"، فهذه القيادة ليست حكما يقوم على مفهوم (الدولة الدينية) المستقرة في أذهان الغرب نتيجة لترسبات تاريخية سابقة عن فترة كنسية مرتبطة بظروفها التاريخية والموضوعية وإنما الدولة في مفهوم الإسلام تقوم على أسس ومبادئ وقيم يلتزم بها كل من الحاكم والمحكوم وليس لحاكم عصمة في أن يفعل ما يشاء أو أن يتفرد بسلطة التشريع باسم النيابة عن الله تعالى ولا يتحكم في رقاب العباد باسم الوصاية والولاية على الشعب، بل هو مأمور بالمشاورة وأخذ الرأي في القضايا التي تمس جموع الأمة ويلتزم فيها برأي الجماعة ولو كان رأيهم خلافا لرأيه هو كما قال الله تعالى آمرا رسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}، وقال تعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}(١).