للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبعد كل هذا بعد سبهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذبهم عليه، وإعراض عبد الله بن أبي بن سلول عن استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى ذكره لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {سَوَاءٌ} يا محمّد على هؤلاء المنافقين الذين قيل لهم تعالوا يستغفر لكم ر سول الله {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أ} ذنوبهم {أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} يقول: لن يصفح الله لهم عن ذنوبهم، بل يعاقبهم عليها {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} يقول: إن الله لا يوفِّق للإيمان القوم الكاذبين عليه، الكافرين به الخارجين عن طاعته. (١).

وقال تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (التوبة: ٨٥).

يخبر تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن هؤلاء المنافقين ليسوا أهلًا للاستغفار، وأنه لو استغفر لهم، ولو سبعين مرة فإن الله لا يغفر لهم، وقد قيل: إن السبعين إنما ذكرت حسمًا لمادة الاستغفار لهم، لأن العرب في أساليب كلامها تذكر السبعين في مبالغة كلامها، ولا تريد التحديد بها، ولا أن يكون ما زاد عليها بخلافها، وقيل: بل لها مفهوم، كما روى العوفي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لما نزلت هذه الآية: "أسمع ربي قد رخص لي فيهم، فو الله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة، لعل الله أن يغفر لهم! فقال الله من شدة غضبه عليهم: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}. (٢)

ثم تتابع الآيات في ذكر نفاقهم وإبطانهم الكفر والكره للمسلمين، فقال تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ} يعني المنافقين الذين يقولون لأصحابهم {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} من أصحابه المهاجرين {حَتَّى يَنْفَضُّوا} ويقول: حتى يتفرّقوا عنه، لله جميع ما في السموات والأرض من شيء وبيده مفاتيح خزائن ذلك، لا يقدر أحد أن يعطي أحدًا


(١) تفسير الطبري (١٤/ ١١١: ١١٠).
(٢) تفسير ابن كثير (٢/ ٥١١)، والطبري (٦/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>