للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عكرمة: يعني القيامة (١).

وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣)} وأيّ شيء أدراك وعرّفك: أيّ شيء الحاقة؟ وقال قتادة: تعظيم ليوم القيامة كما تسمعون (٢).

قال البقاعي: قال تعالى: {الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣)}، لما قدم سبحانه في (نون) الإنكار الشديد لأن يسوي المسيء بالمحسن، وذكر القيامة وبيّنها بيوم كشف الساق، وزيادة المشاق، وهدد التهديد العظيم بآية الاستدراج الذي لا يدفع بعلاج، وختم بأن القرآن ذكر - أي شرف -، وتذكير، ومواعظ للعالمين في شمولهم كلهم برحمته، أما من بعد إنزاله فبوعيده ووعده، ووعظه وقصه، وأمره ونهيه، وأما من قبل إنزاله فبالشهادة لهم وعليهم، وكان تأويل ذلك وجميع أَثاره إنما يظهر ظهورًا تامًّا يوم الجمع الأكبر، وكان ذلك اليوم أعظم مذكر للعالمين، وواعظ لهم وزاجر، تنبني جميع الخيرات على تذكره، وتذكر العرض على الملك الديان، والسر في إنزال القرآن هو: التذكير بذلك اليوم الذي هو نظام الوجود، قال واصفًا للقيامة واليوم الذي يكشف فيه عن ساق، واعظًا بذكرها، ومحذرًا من أمرها: {الْحَاقَّةُ} أي الساعة التي يكذب بها هؤلاء، وهي أثبت الأشياء وأجلاها، فلا كاذبة لها ولا لشيء عنها، فلا بد من حقوقها، فهي ثابتة في نفسها، ومن إحضار الأمور فيها بحقائقها، والمجازاة عليها بالحق الذي لا مرية فيه لأحد من الخلق، فهي فاعلة بمعنى مفعول فيها، وهي فاعلة أيضًا؛ لأنَّها غالبة لكل خصم، من حاققته فحققته أحقه أي: غالبته في الحق فغلبته فيه، فهي تحق الحق ولا بد، فتعلو الباطل فتدمغه وتزهقه، فتحق العذاب للمجرمين، والثواب للمسلمين، وكل ما فيها دائر على الثبات والبيان؛ لأن ذلك مقتضى الحكمة، ولا يرضى لأحد من الحكام ترك رعيته بغير إنصاف بينهم - على زعمه - فكيف بالحكيم العليم!

وقصة صاحب الحوت - عَلَيْهِ السَّلَام - أدل دليل على القدرة عليها.


(١) تفسير الطبري (٢٩/ ٤٨) بإسناد صحيح إلى قتادة، والإسناد ضعيف إلى عكرمة.
(٢) تفسير الطبري (٢٩/ ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>