للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا نزاع بين المسلمين أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - معصوم فيما بلغه عن الله تعالى، فهو معصوم فيما شرعه للأمة بإجماع المسلمين

والكلام في هذا المقام مبنى على أصل وهو: أن الأنبياء -صلوات الله عليهم- معصومون فيما يخبرونه به عن الله تعالى، وفي تبليغ الرسالة باتفاق الأمة، وهذه العصمة الثابتة للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة؛ فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين (١).

وأعلم الله رسوله مَنَّه عليه بما سبق في علمه من عصمته إياه من خلقه.

ولما سبق في علمه جل ثناؤه، من إسعاده بعصمته وتوفيقه، وما شهد له به من هدايته، واتباع أمره .. ، والشهادة بتأدية رسالته (٢).

وعليه: فإن أقسام السنة كلها حجة تصلح أن يحتج بها على ثبوت الأحكام الشرعية لثبوت العصمة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولسائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (٣).

وقد أعطى الله عز وجل الرسول - صلى الله عليه وسلم - حق التشريع:

قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: ٣٦].

فاعلم: أنه قد اتفق من يعتد به من أهل العلم؛ على أن السنة المطهرة مستقلة بتشريع الأحكام، وأنها كالقرآن في تحليل الحلال، وتحريم الحرام، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أَلا إِنِّي أُوتيتُ الْقُرْآنَ وَمثْلَهُ مَعَهُ" أي أوتيت القرآن، وأوتيت مثله من السنة التي ينطق بها القرآن (٤). لأن الله سبحانه ولاه منصب التشريع عنه ابتداء، كما ولاه منصب البيان لما أراده بكلامه، بل كلامه كله بيان عن الله عز وجل (٥).


(١) مجموع الفتاوى ابن تيمية (٣٣/ ٢٨)، (١٠/ ٢٨٩ - ٢٩٠).
(٢) الرسالة الشافعي (٨٥ - ٨٨).
(٣) شرح الكوكب المنير ابن النجار (٢/ ١٦٧).
(٤) إرشاد الفحول الشوكاني (٣٣).
(٥) إعلام الموقعين ابن القيم (٢/ ٢٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>