للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الخطابي: وسبيل الحديثين إذا اختلفا في الظاهر، وأمكن التوفيق بينهما وترتيب أحدهما على الآخر؛ أن لا يحملا على المنافاة، ولا يضرب بعضها ببعض، لكن يستعمل كل واحد منهما في موضعه، وبهذا جرت قضية العلماء في كثير من الحديث. (١)

كقوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} وقوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} مع قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ}.

قال الحليمي: فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل، والثانية على ما يستلزم الإقرار بالنبوات؛ من شرائع الدين وفروعه، حمله غيره على اختلاف الأماكن؛ لأن في القيامة مواقف كثيرة، فموضع يسأل ويناقش، وموضع آخر يرحم ويلطف به، وموضع آخر يعنف ويوبخ، وهم الكفار، وموضع آخر لا يعنف، وهم المؤمنون. وكقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} وقوله: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠)} إلى قوله: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} وذلك يبلغ ثمانية أيام، والجواب أن المراد بقوله: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إلى قوله: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} مع اليومين المتقدمين، ولم يرد بذكر الأربعة غير ما تقدم ذكره، وهذا كما يقول الفصيح: سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام، وسرت إلى الكوفة في ثلاثة عشر يومًا، ولا يريد سوى العشرة، بل يريد مع العشرة ثلاثة ثم قال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} وأراد سوى الأربعة، وذلك لا مخالفة فيه؛ لأن المجموع يكون ستة. (٢)


(١) معالم السنن (٣/ ٦٨).
(٢) البرهان في علوم القرآن (٢/ ٦٣: ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>