للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك ما ورد في قوله تعالى {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: ٣٢].

مع ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" فظاهر الحديث يخالف الآية، مما جعل أهل الحديث يبحثون في وجه الجمع بينهما، وممن قام بالجمع بينهما شيخ الإسلام ابن القيم -رحمه الله- حيث يقول:

ها هنا أمر يجب التنبيه عليه، وهو: أن الجنة تدخل برحمة الله تعالى، وليس عمل العبد مستقلًا بدخولها، وإن كان سببًا.

ولهذا أثبت الله تعالى دخولها بالأعمال في قوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ونفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخولها بالأعمال في قوله: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله" ولا تنافي بين الأمرين لوجهين:

أحدهما ما ذكره سفيان وغيره، قال: كانوا يقولون النجاة من النار بعفو الله، ودخول الجنة برحمته، واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال، ويدل على هذا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - "أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم" (١).

والثاني: أن الباء التي نفت الدخول هي باء المعاوضة؛ التي يكون فيها أحد العوضين مقابل للآخر، والباء التي أثبتت الدخول هي باء السببية؛ التي تقضي سببية ما دخلت عليه لغيره، وإن لم يكن مستقلًا بحصوله، وقد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الأمرين بقوله: "لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ، قَالُوا: وَلا أنتَ يَا رَسُولَ الله! قَالَ: وَلا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي الله بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَىْءٌ مِنَ الدُّلجْةِ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا" (٢).

ومن عرف الله تعالى، وشهد مشهد حقه عليه، ومشهد تقصيره وذنوبه، وأبصر هذين المشهدين بقلبه؛ عرف ذلك وجزم به، والله سبحانه وتعالى المستعان (٣).


(١) رواه الترمذي (٢٥٤٩)، ابن ماجه (٤٣٣٦)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (١٨٣١).
(٢) البخاري (٦٤٦٣)، مسلم (٢٨١٦) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٣) حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (٨٧ - ٨٨) الباب التاسع عشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>