بحيث ينالها من يطلبها؛ لأن محمدًا خاتم الأنبياء، وشريعته خاتمة الشرائع، بل دل على ذلك قوله {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)} (القيامة: ١٩).
فحفظ الله السنة في صدور الصحابة والتابعين، حتى كتبت ودونت - كما يأتي - وكان التزام كتابتها في العهد النبوي شاقًا جدًّا؛ لأنها تشمل جميع أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وأحواله، وما يقوله غيره بحضرته أو يفعله، وغير ذلك.
والمقصود الشرعي من السنة هو: معانيها، وليست كالقرآن، فالمقصود لفظه ومعناه؛ لأن كلام الله بلفظه ومعناه، ومعجز بلفظه ومعناه، ومتعبد بتلاوته بلفظه بدون أدنى تغيير، لا جرم خفف الله عنهم واكتفى من تبليغ السنة غالبًا بأن يطلع عليها بعض الصحابة، ويكمل الله تعالى حفظها وتبليغها بقدرته التي لا يعجزها شيء، فالشأن في هذا الأمر هو العلم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ ما أمر به التبليغ الذي رضيه الله منه، وأن ذلك مظنة بلوغه إلى من يحفظه من الأمة، ويبلغه عند الحاجة ويبقى موجودًا بين الأمة، وتكفل الله تعالى بحفظ دينه يجعل تلك المظنة مئنة، فتم الحفظ كما أراد الله تعالى، وبهذا التكفل يدفع ما يتطرق إلى تبليغ القرآن، كاحتمال تلف بعض القطع التي كتبت فيها الآيات، واحتمال أن يغير فيها من كانت عنده ونحو ذلك، ومن طالع تراجم أئمة الحديث من التابعين فمن بعدهم، وتدبر ما آتاهم - الله تعالى من قوة الحفظ والفهم، والرغبة الأكيدة في الجد، والتشمير لحفظ السنة وحياطتها؛ بان له ما يحير عقله، وعلم أن ذلك ثمرة تكفل الله تعالى بحفظ دينه، وشأنهم فيها عظيم جدًّا، أو هو عبادة من أعظم العبادات وأشرفها، وبذلك يتبين أن ذلك من المصالح المترتبة على ترك كتابة الأحاديث كلها في العهد النبوي، إذ لو كتبت؛ لانسد باب تلك العبادة وقد قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} (الذاريات: ٥٦).
وثم مصالح أخرى منها: تنشئة علوم تحتاج إليها الأمة، فهذه الثروة العظيمة التي بيد المسلمين من تراجم قدمائهم، إنما جاءت من احتياج المحدثين إلى معرفة أحوال الرواة،