للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني عدهم على أحد القولين، كان ذلك مسقطًا للخلاف قبله ويصير ذلك إجماعًا، وإجماع الأعصار عندنا حجة كإجماع الصحابة. (١)

٤ - من النظر.

قال ابن عبد البر: ولهذه المسألة أيضًا حظ من النظر، وذلك أن الصلاة لا تجب أن تؤدي إلا بطهارة متيقنة، وقد أجمعوا على أنه من اغتسل من الإكسال فقد أدى صلاته بطهارة مجتمع عليها والصلاة يجب أن يحتاط لها وكيف وفي ثبوت السنة بصحيح الأثر ما يغني عن كل نظر. (٢)

قال الطحاوي: قَالَ أَبو جَعْفَرٍ: فَقَدْ ثَبَتَ بِهَذِهِ الآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا صِحَّةَ قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الختَانَيْنِ. فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ الآثَارِ. وَأَمَّا وَجْهُهُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّا رَأَيْنَاهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الجمَاعَ فِي الْفَرْجِ الَّذِي لا إنْزَالَ مَعَهُ- حَدَثٌ.

فَقَالَ قَوْم: هُوَ أَغْلَظُ الأَحْدَاثِ فَأَوْجَبُوا فِيهِ أَغْلَظَ الطَّهَارَاتِ؛ وَهُوَ الْغُسْلُ. وَقَالَ قَوْم: هُوَ كَأَخَفِّ الأَحْدَاثِ فَأَوْجَبُوا فِيهِ أَخَفَّ الطَّهَارَاتِ، وَهُوَ الْوُضُوءُ.

فَأَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ إلَى الْتِقَاءِ الختَانَيْنِ: هَلْ هُوَ أَغْلَظُ الأَشْيَاءِ فَنُوجِبُ فِيهِ أَغْلَظَ مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ؟ فَوَجَدْنَا أَشْيَاءَ يُوجِبُهَا الجِماعُ، وَهُوَ فَسَادُ الصِّيَامِ وَالحجِّ، فَكَانَ ذَلِكَ بِالْتِقَاءِ الختَانَيْنِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ، ويُوجِبُ ذَلِكَ فِي الحجِّ الدَّمَ، وَقَضَاءَ الحجِّ، وُيوجِبُ فِي الصِّيَامِ الْقَضَاءَ وَالْكَفارَةَ، فِي قَوْلِ مَنْ يُوجِبُهَا. وَلَوْ كَانَ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الحجِّ دَمٌ فَقَطْ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي الصِّيَامِ شَيْءٌ، إلَّا أَنْ يُنْزِلَ، وَكُلُّ ذَلِكَ محُرَّمٌ عَلَيْهِ فِي حَجِّهِ وَصِيَامِهِ، وَكَانَ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حُدَّ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ شُبْهَةٍ فَسَقَطَ بِهَا الحدُّ عَنْهُ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ المهْرُ، وَكَانَ لَوْ جَامَعَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حَدٌّ وَلا مَهْرٌ، وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ؛ إذَا لَمْ يمُنْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ. وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا تَزَوَّجَ المرْأَةَ فَجَامَعَهَا جِمَاعًا لا خَلْوَةَ مَعَهُ فِي الْفَرْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا، كَانَ عَلَيْهِ المَهْرُ أنزَلَ أَوْ لم يُنْزِلْ؛ وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَأَحَلَّهَا ذَلِكَ لِزَوْجِهَا الأوَّلِ. وَلَوْ جَامَعَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَجِبْ فِي ذَلِكَ


(١) شرح ابن بطال ١/ ٤٣٧.
(٢) الاستذكار ٣/ ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>