للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: وهذا من الإيمان والعمل الصالح في الزمن الفاسد الذي يرفع فيه العلم والدين من أهله، ويكثر الفسق، والهرج، ويذل المؤمن، ويعز الفاجر، ويعود الدين غريبًا كما بدأ، ويكون القائم فيه بدينه كالقابض على الجمر، فيتسوي حينئذ أول هذه الأمة بآخرها في فضل العمل إلا أهل بدر والحديبية، والله أعلم (١).

قال الملا علي القاري: "فطوبى للغرباء" المتشبثين بذيله، يعني: المسلمين الذين في أوله وآخره لصبرهم على الأذى، وقيل: المراد بالغرباء: المهاجرون الذي هاجروا إلى الله.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِهِ (٢)، وقال: وهذا إخبار عن آخر الزمان حين يقل الإسلام (٣).

وقال ابن قتيبة: أراد بقوله: "إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا" أن أهل الإسلام حين بدأ قليل، وهم في آخر الزمان قليل إلا أنهم خيار (٤).

وقال ابن رجب: يريد به أن الناس كانوا قبل مبعثه على ضلالة عامة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عياض بن حمار -رضي الله عنه- الذي أخرجه مسلم: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم؛ عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب" (٥) (٦).

ومعنى ذلك كما لا يخفى أنه بدأ غريبًا لا يعرفه إلا القلائل، ثم انتشر وعز بحمد الله على الأديان كلها، ثم عاد غريبًا بسبب اختلاف الناس واتباع الأهواء وقلة العلم. (٧)

وفحوى هذه الأحاديث أن دين الإسلام الذي خرج من مهده الحجاز وانبسط في الأرض


(١) التمهيد (٢٠/ ٢٥٥).
(٢) تحفة الأحوذي (٧/ ٣١٨).
(٣) تحفة الأحوذي (٧/ ٣١٩).
(٤) تأويل مختلف الحديث (١/ ١١٤).
(٥) كشف الكربة في وصف أهل الغربة (١/ ١).
(٦) مسلم (٢٨٦٥).
(٧) مجلة الجامعة الإسلامية (٣٦/ ١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>