وهذا هو مفهوم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانيّة، ويفسّرونها بالعربيّة لأهل الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم، وقولوا: آمنّا بالله وما أُنزل إلينا وما أُنْزل إليكم"(١).
وقد عبّر "ابن خلدون" عن هذه النظرة تعبيرًا واضحًا إذ قال: "والسبب في ذلك أنّ العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنّما غلبت عليهم البداوة والأميّة، وإذا تشوّقوا إلى معرفة شيء ممّا تتشوّق إليه النفوس البشريّة في أسباب المكوّنات وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنّما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى. وأهل التوراة الّذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم، ولا يعرفون من ذلك إلاّ ما تعرفه العامّة من أهل الكتاب ومعظمهم من حِمير الّذين أخذوا بدين اليهوديّة، فلمّا أسلموا بقوا على ما كان عندهم ممّا لا تعلّق له بالأحكام الشرعيّة الّتي يحتاطون لها، مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحِدثان والملاحم وأمثال ذلك. وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن منبّه وعبد الله بن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم، وفي أمثال هذه الأغراض أخبارًا موقوفة عليهم، وليست ممّا يَرجع إلى الأحكام فتُتحرّى فيها الصحّة الّتي يجب بها العمل هذا في التفسير من حيث هو تفسير. إلاّ أنّ هذا الفرع من المعارف الإسلاميّة - وإن عدّه العلماء المسلمون علمًا قائمًا بذاته - قد حوي أنواعًا من العلوم الإسلاميّة. فالمفسّر حين يكون بصدد تفسير آية تشريعيّة يكون بحثه "فقهيًّا". وحين يكون بصدد تفسير آيات العقائد، يكون بحثه ملحقًا بعلم التوحيد وأصول الدين. وحين يتعرّض للآيات الّتي تتكلّم عن بدء الخليقة والأمم السالفة، فإنّ بحثه سيكون على صلة بالتاريخ، وهكذا. لذلك فإنّ ما يقال في هذه العلوم بوصفها مستقلّة يقال عنها أيضًا بوصفها جزءًا من كتب التفسير، من حيث إنّ الموضوع هو واحد. ولن تتغيّر عقليّة الكاتب بين أن يكون مصنِّفًا لكتاب في التوحيد - مثلًا - وأن يكون