للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصنِّفًا لكتاب في التفسير (١).

الاختلاف في التفسير على نوعين: منه ما مستنده النقل فقط، ومنه ما يعلم بغير ذلك؛ إذ العلم إما نقل مصدق وإما استدلال محقق، والمنقول إما عن المعصوم وإما عن غير المعصوم، والمقصود بأن جنس المنقول سواء كان عن المعصوم أو غير المعصوم، وهذا هو النوع الأول منه ما يمكن معرفة الصحيح منه والضعيف، ومنه ما لا يمكن معرفة ذلك فيه. وهذا القسم الثاني من المنقول؛ وهوما لا طريق لنا إلى الجزم بالصدق منه عامته مما لا فائدة فيه، فالكلام فيه من فضول الكلام.

وأما ما يحتاج المسلمون إلى معرفته، فإن الله نصب على الحق فيه دليلًا، فمثال ما لا يفيد ولا دليل على الصحيح منه: اختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف، وفي البعض الذي ضرب به موسى من البقرة، وفي مقدار سفينة نوح وما كان خشبها، وفي اسم الغلام الذي قتله الخضر، ونحو ذلك. فهذه الأمور طريق العلم بها النقل، فما كان من هذا منقولًا نقلًا صحيحًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كاسم صاحب موسى أنه الخضر - فهذا معلوم، وما لم يكن كذلك بل كان مما يؤخذ عن أهل الكتاب - كالمنقول عن كعب ووهب ومحمد بن إسحاق وغيرهم ممن يأخذ عن أهل الكتاب - فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة، كما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه".

وكذلك ما نقل عن بعض التابعين، وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب، فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض، وما نقل في ذلك عن بعض الصحابة نقلًا صحيحًا فالنفس إليه أسكن مما نقل عن بعض التابعين؛ لأن احتمال أن يكون سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من بعض من سمعه منه أقوى؛ ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين، ومع جزم الصاحب فيما يقوله، فكيف يقال: إنه أخذه عن


(١) مقدمة ابن خلدون (٤٨٧)، نشوء الحضارة الإسلامية لأحمد القصص (١/ ١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>