للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يأخذ عنهما أحد من المحدثين وخصوصًا البخاري الذي كان يمتنع عن الأخذ عن الراوي لأدنى شبهة قيلت فيه، وأيضًا لحكى عنهما ذلك أحد المترجمين لهم الذكورين ومع أن الحافظ الذهبي التزم في كتابه (تذكرة الحفاظ) أن يذكر فيه المحدثين الموثقين فقط، وقد ذكرهما (كذا) بترجمتين مستفيضتين عن علمهما وورعهما وكفى بذلك توثيقًا. (١)

ثالثًا: أما استدلالهم بما جاء في تاريخ ابن جرير الطبري، عن سليمان بن عبد العزيز عن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة، من أن كعب الأحبار قال له: يا أمير المؤمنين أعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام فقال وما يدريك؟ قال أجده في كتاب الله عزَّ وجلَّ التوراة ... الخ (٢).

فالجواب عنه من وجوه:

الوجه الأول: أن ابن جرير وغيره من المؤرخين لم يلتزموا الصحة فيما ينقلون ويحكون، ولذا تجد في كتبهم الضعيف والموضوع. والباحث المنصف إذا نقل خبرًا من هذه الكتب ينبغي أن يمحصه سندًا ومتنًا.

الوجه الثاني: إذا نظرنا إلى سند هذه القصة ومتنها لا نشك في أنها تنادى على نفسها بالكذب والاختلاق وذلك: لسقوط سندها فإن سليمان مجهول لم نجد له ترجمة، وأبوه ساقط الحديث كما بينه جمع من الأئمة وعبد الله بن جعفر لا بأس به، فأما أبوه جعفر فلا يعرف برواية أصلًا.

الوجه الثالث: ولأنها لو كانت في التوراة لما اختص بعلمها كعب الأحبار وحده، ولكن كان يشاركه العلم بها أمثال عبد الله بن سلام وعبد الله بن عمرو ممن لهم علم بالتوراة.

الوجه الرابع: ولأنها لو صحت لكان المنتظر من عمر حينئذ أن لا يكتفي بقول كعب، ولكن يجمع طائفة ممن أسلم من أهل الكتاب ولهم إحاطة بالتوراة ويسألهم عن هذه القصة، وهو لو فعل لافتضح أمر كعب وظهر للناس كذبه ولتبين لعمر أنه شريك في


(١) مجلة المنار (٢٦/ ١/ ٧٣).
(٢) تاريخ الطبري (٣/ ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>