للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤامرة دبرت لقتله، أو أنه على علم بها وحينئذ يعمل عمر على الكشف عنها بشتى الوسائل وينكل بمدبريها ومنهم كعب، هذا هو المنتظر من أي حاكم عادى يقال له مثل ذلك، فضلًا عن عمر - رضي الله عنه - المعروف بكمال الفطنة وحدة الذهن وتمحيص الأخبار، ولكن شيئًا من ذلك لم يحصل فكان ذلك دليلًا على اختلاقها.

د- وأيضًا فإنها لو صحت لكان معناها أن كعبًا له يد في المؤامرة وأنه يكشف عن نفسه بنفسه وذلك باطل لمخالفة طباع الناس، إذ المعروف أن من اشترك في مؤامرة يبالغ في كتمانها حرصًا على نجاحها وتفاديًا من تحمل تبعتها بعد وقوعها.

وبذلك تبين لنا أن هذه القصة مفتراة بدون أدنى اشتباه، وأن رمى كعب بالكيد للإسلام في شخص عمر - رضي الله عنه - والكذب في النقل عن التوراة اتهام باطل لا يستند إلى دليل أو برهان، ولقد كان عمر والصحابة - رضي الله عنهم - أعلم بحال كعب منا لأنه صحبهم وجالسهم. ولو كان هناك ما يوجب اتهامه لاتهموه، وقد علمنا أنهم لم يتهموه لا قبل انكشاف المؤامرة ولا بعده، فوجب الجزم بأنه لم يقع منه ما يقتضى اتهامه.

ومن عجيب أمر هؤلاء الطاعنين أنهم يجعلون روايات المؤرخين حجة لا يأتيها الباطل بحال إذا كان لهم غرض في إثبات مضمونها، ويتشككون في روايات البخاري ومسلم إذا جاءت على غير ما يشتهون (١).

* * *


(١) الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير لرمزي نعناعة (ص ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>