للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنصر على الأعداء، على قلة جنده وضعف عدته في معركة إثر معركة، ولقاء بعد لقاء، وكل ذلك منزل منزلة قول مرسله تبارك وتعالى: "صدق عبدي فيما يبلغ عني".

إذ أن تأييده بذلك كله، وهو يدعى أنه مرسل من عند ربه، وهو على مسمع من ربه سبحانه ومرأى، وهو جل شأنه لا يزال يؤيده بكل ذلك: دليل على كمال صدقه، وعصمته في كل ما يبلغه من قرآن وسنة، إذ لو كان بخلاف ذلك لما أيده، ولفضح أمره للملأ، كما هي سنته سبحانه فيمن حاولوا الكذب عليه.

الدليل الثاني: قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦)}. فالآيات نصت على أن الله سبحانه وتعالى لا يؤيد من يكذب عليه بل لابد أن يظهر كذبه وأن ينتقم منه.

ولو كان محمد - صلى الله عليه وسلم - من هذا الجنس كما يزعم الكافرون فيما حكاه الله عنهم {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} - وحاشاه - صلى الله عليه وسلم - من ذلك - لأنزل الله به من العقوبة ما ذكره في هذه الآيات، وحيث إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقع له شيء من ذلك فلم يهلكه الله ولم يعذبه، فهو على هذا لم يتقول على الله ما لم يقله ولم يفتر شيئا من عند نفسه، وبهذا تثبت عصمته في كل ما بلغه عن ربه عز وجل.

فهذه الآيات دليل صدقه وعصمته في تبليغه الوحي (قرآنًا وسنة) بدليل التمانع، فقد امتنع أخذه سبحانه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بتلك الصفة، لامتناع تقوله عليه، وامتناع التقول عليه يعنى الصدق والعصمة فيما يقول ويبلغ عن ربه.

أي: لو لم يكن القرآن والسنة منزلين من عندنا، ومحمد ادعى أنهما منا، لما أقررناه على ذلك، ولعجلنا بإهلاكه. فعدم هلاكه - صلى الله عليه وسلم - دال على أنه لم يقل على الله ما لم يقله عز وجل، لأن "لو" حرف امتناع لامتناع، فامتنع ذلك من الله عز وجل، لامتناع سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الأشياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>