قال ابن كثير: بعد أن فسر هذه الآيات: والمعنى في هذا بل هو صادق بار راشد، لأن الله عز وجل مقرر له ما يبلغه عنه، ومؤيد له بالمعجزات الباهرات، والدلالات القاطعات. (١)
وبالجملة: فالآيات من جملة مدحه، ودليل عصمته في البلاغ لوحي الله تعالى، إذ فيها القسم على تصديقه بجميع الموجودات، وأنه لا يمكنه الافتراء عليه قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (٣٨) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٣)} (الحاقة: ٣٨ - ٤٣).
الدليل الثالث: قال سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} (النجم: ٣ - ٤)، فكلمة "ينطق" في لسان العرب، تشمل كل ما يخرج من الشفتين قول أو لفظ أي: ما يخرج نطقه - صلى الله عليه وسلم - عن رأيه، إنما هو بوحي من الله عز وجل.
ولقد جاءت الآيتان بأسلوب القصر عن طريق النفي والاستثناء، والفعل إذا وقع في سياق النفي دل على العموم، وهذا واضح في إثبات أن كلامه - صلى الله عليه وسلم - محصور في كونه وحيًا لا يتكلم إلا به وليس بغيره وفى هذا دليل واضح على عصمته - صلى الله عليه وسلم -، في كل أمر بلغه عن ربه من كتاب وسنة، فهو لا ينطق إلا بما يوحى إليه من ربه، ولا يقول إلا ما أمر به فبلغه إلى الناس كاملًا من غير زيادة ولا نقصان، وهذه شهادة وتزكية من الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في كل ما بلغه للناس من شرعه تعالى.
وهذه الآيات دالة على عصمة الله وتثبيته لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ ما أوحى إليه، ومعناها مقارب لمعنى الآيات التي ذكرناها قبلها "فقد أخبر تعالى عن تأييده لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وتثبيته