وعصمته وسلامته من شر الأشرار وكيد الفجار، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه بل هو وليه وحافظه وناصره ومؤيده ومظفره ومظهر دينه على من عاداه وخالفه في مشارق الأرض ومغاربها.
فهذه الآيات من جملة الآيات المادحة للمصطفى - صلى الله عليه وسلم -، والشهادة بعصمته في كل ما يبلغ عن ربه عز وجل وحكم "كاد" في الآيات حكم سائر الأفعال، فمعناها: منفي إذا صحبها حرف نفي، وثابت إذا لم يصحبها، فإذا قيل: كاد زيد يبكي، فمعناه: قارب البكاء، فمقاربة البكاء ثابتة، وإذا قيل: لم يكد يبكي، فمعناه: لم يقارب البكاء، فمقاربته منفية، ونفسه منتف انتفاء أبعد من انتفائه عند ثبوت المقاربة"، والشرط في الآيات على فرض الإمكان، لا على فرض الوقوع، والمعنى: لولا ثبوت تثبيتنا إياك، لقد قاربت أن تميل إليهم شيئًا يسيرًا من أدنى الميل، لكن امتنع قرب ميلك وهواك لوجود تثبيتنا إياك.
فتأمل كيف بدأ بثباته وسلامته بالعصمة، قبل ذكر ما عتبه عليه، وخيف أن يركن إليهم، على فرض الإمكان، لا على فرض الوقوع. وتأمل كيف جاء في أثناء عتبه - إن كان ثم عتب - براءته، وفى طي تخويفه تأمينه وكرامته.
وبالجملة: فسياق الآيات بيِّن واضح في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يركن إليهم أبدًا، وإلا لأنزل الله به من العقوبة ما ذكره في هذه الآيات، وحيث إن رسول الله لم يقع له شيء من ذلك، فلم يعذبه ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات، ولم يتخلى عنه طرفة عين، كما تشهد بذلك سيرته العطرة، دل ذلك على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتقوَّل على ربه ما لم يقله، ولم يفتر شيئًا من عند نفسه، وبهذا تثبت عصمته في كل ما بلغه عن ربه من وحى الله تعالى قرآنًا وسنة.
قال القاضي عياض: في الآية دليل على أن الله تعالى امتن على رسوله بعصمته وتثبيته مما كاده به الكفار، وراموه من فتنته، ومرادنا من ذلك تنزيهه وعصمته - صلى الله عليه وسلم - وهو مفهوم الآية. (١)