للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليل الخامس: ليس أدل على عصمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ وحي ربه، من تبليغه حتى ما يمس جنابه العظيم، من العتاب الذي كان يوجهه الله تعالى إليه، وذلك كما في قوله جل شأنه: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وقوله سبحانه: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} إلى غير ذلك من آيات.

فآيات العتاب في القرآن الكريم ما كان ليتفوه النبي - صلى الله عليه وسلم - بها لولا كمال عصمته في البلاع وكمال أمانته فيه، لأن كتمان ذلك في نظر العقول البشرية ستر على النفس الشريفة، واستيفاء لحرمة آرائه، ولكنه الوحي لا يستطيع كتمانه.

فعن أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو فَجَعَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اتَّقِ الله، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ". قَالَتْ عَائِشَةُ: "لَوْ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذه" (١).

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ الله فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى الله الْفِرْيَةَ وَالله يَقولُ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (٢).

ولقد صدق أنس، وصدقت عائشة - رضي الله عنهما -، وبرا، فما أدق استنباطهما في الدلالة على عصمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بلاغه وحي الله إلى الناس! .

وبعد: فهذه شهادات من الله عز وجل لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بعصمته في أداء واجب البلاع على أكمل وجه {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} ولم يكتف عز وجل لحبيبه محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذه الشهادات، بل لقد أضاف إليها شهادة أخرى بأسلوب آخر، حيث قال جل شأنه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ


(١) البخاري (٧٤٢٠)، مسلم (١٧٧).
(٢) البخاري (٤٦١٢)، مسلم (١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>