للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحْبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ. وَأَخْبَرْتهمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الزَّادَ وَالمتاعَ، فَلَمْ يرزآني (١)، وَلَمْ يسألاني إِلَّا أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا. فَسَألتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِى كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ في رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. (٢)

فتأمل كيف عصم رب العزة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من محاولة سراقة قتله أو أسره، ليفوز بالدية التي رصدت من كفار قريش، إذ ما اقترب من ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى عثرت به فرسه، مرة تلو الأخرى بعد إصراره على تتبع ركبه - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا ما سمع دعاءه - صلى الله عليه وسلم - بأن يصرعه، أو يكفيه إياه بما شاء، إلا وتتعثر به فرسه للمرة الثالثة، حتى أن يدا فرسه في هذه المرة غاصت في الأرض حتى بلغتا الركبتين، وبعد محاولات منه لاستنهاضها، إذ به يرى على يديها أثر دخان من غير نار ساطع في السماء، وهنا أيقن سراقة بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محفوظ، ومعصوم منه، كما أيقن في نفس الوقت، أنه نبي الله حقًّا، وأن دينه سيظهر، فما كان منه إلا أن سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب له كتاب أمان، فأعطاه إياه، ولم يسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوى أن يقف في مكانه، ولا يترك أحدًا يلحق برَكْبِهِ - صلى الله عليه وسلم -، ففعل سراقة، وهنا تتجلى إرادة المولى عز وجل ومشيئته في عصمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتغير حال سراقة "إذ كان في أول النهار جاهدًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان آخر النهار مسلحة له" أي حارسًا له بسلاحه، بل وبلسانه أيضًا كما جاء في رواية ابن سعد: "أنه لما رجع، قال لقريش: قد عرفتم بصري بالطريق وبالأثر، وقد استبرأت لكم، فلم أر شيئًا، فرجعوا" وقال أيضًا - رضي الله عنه - ردًا على أبى جهل لما بلغه موقفه هذا، ولامه في تركهم أنشده:

أبا حكم والله لو كنت شاهدًا ... لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه

عجبت ولم تشكك بأن محمدًا ... نبي وبرهان فمن ذا يقاومه؟ !

عليك بكف الناس عنه فإنني ... أرى أمره يومًا ستبدو معالمه


(١) أي لم يأخذا مني شيئًا، يقال رَزَأْته أرْزَؤُه. وأصله النَّقْص النهاية في غريب الحديث والأثر ٢/ ٥٢٦.
(٢) البخاري (٣٩٠٦)، وأخرجه مسلم (٢٠٠٩) من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>