والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته والتشكك في شيء من ذلك وقد تعاضدت الأخبار والآثار عن الأنبياء بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ ولدوا ونشأتهم على التوحيد والإيمان بل على إشراق أنوار المعارف نفحات ألطاف السعادة، ولم ينقل أحد من أهل الأخبار أن أحد النبي واصطفى ممن عرف بكفر وإشراك قبل ذلك ومستند هذا الباب النقل وقد استدل بعضهم بأن القلوب تنفر عمن كانت هذه سبيله.
وأنا أقول إن قريشًا قد رمت نبينا بكل ما افترته، وغير كفار الأمم أنبياءها بكل ما أمكنها واختلقته مما نص الله تعالى عليه أو نقلته إلينا الرواة ولم نجد في شيء من ذلك تعييرا لواحد منهم برفضه آلهته وتقريعه بذمه بترك ما كان قد جامعهم عليه ولو كان هذا لكانوا بذلك مبادرين وبتلونه في معبوده محتجين ولكان توبيخهم له بنهيهم عما كان يعبد قبل أفظع وأقطع في الحجة من توبيخه بنهيهم عن تركهم آلهتهم وما كان يعبد آباؤهم من قبل ففي إطباقهم على الإعراض عنه دليل على أنهم لم يجدوا سبيلًا إليه إذ لو كان لنقل وما سكتوا عنه كما لم يسكتوا عند تحويل القبلة وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها كما حكاه الله عنهم.
وقد استدل القاضي القشيري على تنزيههم عن هذا بقوله تعالى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ} الآية.
وبقوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} إلى قوله: {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} قال: وطهره الله في الميثاق وبعيد أن يأخذ منه الميثاق قبل خلقه، ثم يأخذ ميثاق النبيين بالإيمان به ونصره قبل مولده بدهور ويجوز عليه الشرك أو غيره من الذنوب، بهذا ما لا يجوزه إلا ملحد، هذا معنى كلامه، وكيف يكون ذلك وقد أتاه جبريل عليه السلام وشق قلبه صغيرًا واستخرج منه علقة وقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله، وملأه حكمة وإيمانا كما تظاهرت به أخبار المبدأ. (١)