ثالثًا: إن كان بعض هذا مأخوذًا عن نبي فمن المعلوم قطعا أن فيه من الكذب والباطل أضعاف ما هو مأخوذ من ذلك النبي ومعلوم قطعًا أن الكذب والباطل الذي في ذلك أضعاف الكذب والباطل الذي عند اليهود والنصارى فيما يأثرونه على الأنبياء وإذا كان اليهود والنصارى قد تيقنا قطعًا أن أصل دينهم مأخوذ عن المرسلين وأن الله أنزل التوراة والإنجيل والزبور كما أنزل القرآن وقد أوجب الله علينا أن نؤمن بما أنزل علينا وما أنزل على من قبلنا كما قال: -عز وجل- {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦)} [البقرة: ١٣٦]، ثم مع ذلك قد أخبرنا الله أن أهل الكتاب حرفوا وبدلوا وكذبوا وكتموا فإذا كانت هذه حال الوحي المحقق والكتب المنزلة يقينا مع أنها إلينا أقرب عهدا من إدريس ومع أن نقلتها أعظم من نقلة النجوم وأبعد عن تعمد الكذب والباطل وأبعد عن الكفر بالله ورسوله واليوم الآخر فما الظن بهذا القدر إن كان فيه ما هو منقول عن إدريس فإنا نعلم أن فيه من الكذب والباطل والتحريف أعظم مما في علوم أهل الكتاب.
وقد ثبت في البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه قال: "لَا تُصدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} ". فإذا كنا مأمورين فيما يحدثنا به أهل الكتاب أن لا نصدق إلا بما نعلم أنه الحق كما لا نكذب إلا بما نعلم أنه باطل فكيف يجوز تصديق هؤلاء فيما يزعمون أنه منقول عن إدريس -عليه السلام- وهم في ذلك أبعد عن علمهم المصدق من أهل الكتاب.
رابعًا: لا ريب أن النجوم نوعان حساب وأحكام فإما الحساب فهو معرفة أقدار الأفلاك والكواكب وصفاتها ومقادير حركاتها وما يتبع ذلك فهذا في الأصل علم صحيح لا ريب فيه كمعرفة الأرض وصفتها ونحو ذلك لكن جمهور التدقيق منه كثير التعب قليل الفائدة كالعالم مثلًا بمقادير الدقائق والثواني والثوالث في حركات السبعة المتحيرة الخنس