قال ابن تيمية: فإنه سبحانه وتعالى قال: {لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ} لم يقل: لا يقرؤون ولا يسمعون، ثم قال:{إِلَّا أَمَانِيَّ} وهذا استثناء منقطع. لكن يعلمون أماني إما بقراءتهم لها، وإما بسماعهم قراءة غيرهم، وإن جعل الاستثناء متصلًا، كان التقدير لا يعلمون الكتاب إلا علم أماني، لا علم تلاوة فقط بلا فهم، والأماني: جمع أمنية وهي التلاوة، ومنه قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[الحج: ٥٢]، قال الشاعر:
تمنى كتاب الله أول ليلة ... آخرها لاقى حمام المقادر (١)
قوله:{إِلَّا أَمَانِيَّ}:
قال ابن تيمية: وقوله: {إِلَّا أَمَانِيَّ} أي: تلاوة فهم لا يعلمون فقه الكتاب، إنما يقتصرون على ما يسمعونه يتلى عليهم، قاله الكسائى والزجاج. وكذلك قال ابن السائب: لا يحسنون قراءة الكتاب، ولا كتابته إلا أماني، إلا ما يحدثهم به علماؤهم. وقال أبو روق وأبو عبيدة: أي تلاوة وقراءة عن ظهر القلب، ولا يقرؤونها في الكتب، ففي هذا القول جعل الأماني التي هي التلاوة تلاوة الأميين أنفسهم، وفي ذلك جعله ما يسمعونه من تلاوة علمائهم، وكلا القولين حق والآية تعمهما.
وقد يقال: إن قوله: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٧٨)} أي الخط، أي: لا يحسنون الخط، وإنما يحسنون التلاوة، ويتناول -أيضًا- من يحسن الخط والتلاوة، ولا يفهم ما يقرؤه ويكتبه. . . فإن قيل: فقد قال بعض المفسرين {إِلَّا أَمَانِيَّ}: إلا ما يقولونه بأفواههم كذبًا وباطلًا، وروى هذا عن بعض السلف واختاره الفراء.
وقال الأماني: الأكاذيب المفتعلة، قال بعض العرب لابن دأب -وهو يحدث: أهذا شيء
(١) مجموع الفتاوى ٥/ ٤٢٩ - فصل: وهذه الألفاظ المحدثة المجملة النافية.