للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ الله. وَلكِنْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الحْيَاةَ فَاحْفَظِ الْوَصَايَا".

قلت: لقد نفى سيدنا عيسى -عليه السلام- بكل صراحة عن نفسه الصلاح، ولعل المقصود به الصلاح الذاتي المطلق أي القداسة الذاتية المطلقة، وأثبته لله الواحد الأحد فقط. هذا القول يقلع أصل التثليث وما رضي تواضعًا أن يطلق عليه لفظ الصالح أيضًا، ولو كان إلهًا لما كان لقوله معنى، ولكان عليه أن يبين لا صالح إلا الأب وأنا وروح القدس، ولم يؤخر البيان عن وقت الحاجة، وإذا لم يرض بقوله الصالح فكيف يرضى بأقوال أهل التثليث التي يتفوهون بها في أوقات صلاتهم (يا ربنا وإلهنا يسوع لا تضيع من خلقت بيدك) حاشا جنابه أن يرضى بها. (١)

(٤) وفي إنجيل متى (٢٣/ ٨ - ١٠) يقول المسيح -عليه السلام- لأتباعه: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَا تدْعَوْا سَيِّدِي، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ المسِيحُ، وَأنتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ. وَلَا تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّ أباكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.".

فالمعروف أنه في لغة الإنجيل، كثيرًا ما يعبر عن الله بالآب، وهنا كذلك، فقول عيسى -عليه السَّلام-" لا تدعوا لكم أبًا على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات" يعني ليس لكم إله إلا الله وحده الذي في السماوات، وهذا صريح في نفي ألوهية كل أحد ممن هو على الأرض، ويدخل في هذا النفي المسيح كذلك لكونه على الأرض.

ويؤكد ذلك أيضًا، الاقتصار على وصف المسيح بالسيد والمعلم وعدم وصفه بالإله.

هذا وفيما يلي نورد عبارتين للقديس بولس، الذي يحتل مكانة عظيمة لدى النصارى؛ حيث تعتبر رسائله من إلهام الله تعالى، وبالتالي لها منزلة الوحي المعصوم عندهم، لذا ألحقت رسائله الأربعة عشر بالأناجيل واعتبرت جزءًا من كتاب العهد الجديد:

(٥) جاء في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس (٨/ ٤ - ٦): "فَمِنْ جِهَةِ أكْلِ مَا ذُبحَ لِلأَوْثَانِ: نَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِي الْعَالمِ، وَأَنْ لَيْسَ إِله آخَرُ إِلَّا وَاحِدًا. لأنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ مَا يُسَمَّى


(١) مناظرة بين الإسلام والنصرانية ١/ ٦٠، وإظهار الحق ٢/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>