للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: أنهما لو كانا مؤمنين إيمانًا ينفع، كانا أحق بالشهرة والذكر من عميه: حمزة والعباس، وهذا أبعد مما يقوله الجهال من الرافضة ونحوهم، من أن أبا طالب آمن، ويحتجون بما في السيرة من الحديث الضعيف، وفيه أنه تكلم بكلام خفي وقت الموت.

ولو أن العباس ذكر أنه آمن لما قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ الله، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ". (١)

إذن فذلك إيمان أبي طالب باطل نحالف لما في الصحيح وغيره؛ فإنه كان آخر شيء قاله هو: على ملة عبد المطلب، وأن العباس لم يشهد موته، مع أن ذلك لو صح لكان أبو طالب أولى بالشهرة من حمزة والعباس، فلما كان من العلم المتواتر المستفيض بين الأمة خلفًا عن سلف، أنه لم يذكر أبو طالب ولا أبواه في جملة من يذكر من أهله المؤمنين، كحمزة، والعباس، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين - رضي الله عنهم - كان هذا من أبين الأدلة على أن ذلك كذب.

الرابع: أن الله تعالى قال: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} (الممتحنة: ٤)، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} (التوبة: ١١٤). فأمر بالتأسي بإبراهيم عليه السلام والذين معه إلا في وعد إبراهيم لأبيه بالاستغفار، وأخبر أنه لما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه. والله أعلم. (٢)

قال الشيخ عبد المحسن البدر: وعلى هذا فالثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كون أبويه ماتا مشركين، وأنهما في النار، ولم يثبت شيء يدل على خلاف ذلك، وما ذكره مَنْ قال بإحيائهما له - صلى الله عليه وسلم - وإسلامهما ليس بصحيح،


(١) البخاري (٣٦٧٠)، مسلم (٢٠٩).
(٢) مجموع الفتاوى لابن تيمية ٤/ ٣٢٧: ٣٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>