قلت - الزهراني -: هذه الشبهة التي يدندن حولها السيوطي ومَن معه وهي أن في ذكر كفر والد النبي - صلى الله عليه وسلم - أذي للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي في الحقيقة تهويش، لا يغني صاحبه عن الدليل والحجة والبرهان.
فالأذى للنبي - صلى الله عليه وسلم - كل الأذى أن يُرَدَّ ما جاء به، ويُدفع ما أخبر عنه بشبهة واهية، مثل هذه، فنقول: إن الأذى يكون إذا ابتدأ الرجل بسبِّ أبيه وأمه، أو تنقصهما بلا سبب.
أما حكاية ما أخبر به هو - صلى الله عليه وسلم - في مقام الذب عن سنته، وحماية جناب شرعته من دخن البدعة؛ فهذا ليس بأذى، بل نصر له ولدينه، ولو كان - صلى الله عليه وسلم - يتأذى منه ما أخبر به على مسمع من الناس، ولو كان فيه أذى له ما أخبر به الصحابة - رضي الله عنه - وهم أحرص الناس على صيانة جانب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان فيه أذى له - صلى الله عليه وسلم -، ما تتابع الرواة من أهل الحديث منذ عصره - صلى الله عليه وسلم -، إلى يومنا هذا على تناقل هذا الروايات الصحيحة دون نكير منهم، حتى جاء السيوطي ومن معه ليقولوا لنا، إن حكاية هذا الأمر أذى للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فانظر ما في هذا القول من الشفاعة، بتخطئة أجيال من السلف تناقلوا هذه الرواية في كتاب يُعَدُّ ثاني أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل.
نعم، لا ينبغي أن يُردد المؤمن كفر والديه - صلى الله عليه وسلم - دون حاجة، من علم يُنقل، أو حديث يشرح، أو شبهة ترد، كما أنه هو - صلى الله عليه وسلم - قاله تطبيبًا لقلب الرجل، ومواساةً له، وما نحن فيه فمن هذا القبيل. ورواية الخبر علم ينقل ليكون حجةً قاطعة على رأس المبتدعة، أن شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تنفع من مات على شرك وكفر، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينتفع بمجرد قرابته، أقرب الناس إليه فكيف بالأبعدين؟ !
وأما رمي الأُبِّي للنووي بالتناقض في الكلام، فمرده إلي قصر فهم الأُبِّي عن عبارة النووي؛ فإن وصف الزمن السابق للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالفترة يُراد به: الفترة من الرسل، وهذا من التعبير عمن لم تبلغهم الدعوة؛ بأنهم من أهل الفترة، وهذا تعبير القرآن الكريم فقد قال الله تعالى:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ}(المائدة: ١٩١)، وأهل الكتاب قبل مبعثه - صلى الله عليه وسلم - قامت عليهم الحجة الرسالية بلا شك.